عندما كانت الهيئة العامة للاستثمار في أوج تكثيفها الإعلامي، أعلن محافظها آنذاك أنّ الهيئة ستجلب استثمارات أجنبية ضخمة تساهم في تطوير وتنمية الحراك الاقتصادي الوطني، وزاد عن ذلك بأنّ حدد لنا رقماً دقيقاً سيعالج البطالة في وطننا عندما أكد أنّ الهيئة من خلال تشجيعها وتنميتها للاستثمارات الأجنبية الضخمة ستوفر خمس مئة ألف وظيفة للمواطن السعودي!. عندها حلمنا كمواطنين بنمو اقتصادي ضخم ومعالجة سريعة لقضية بطالة السعوديين العالقة في وطننا منذ منتصف الثمانينيات الميلادية.. وتواصلت أعمال الهيئة ولم يتم جلب تلك الاستثمارات المعلنة، وكذلك لم يتم توفير الفرص الوظيفية التي وعدنا بها. وخلال هذا الأسبوع (الأحد 8 محرم 1438ه) نشرت الصحف المحلية تأكيدات لمحافظ الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة على مساهمة هذا القطاع وتطويره للاقتصاد السعودي ورفع الناتج المحلي الذي يساهم فيه هذا القطاع ليصل إلى 2400 مليار ريال سنوياً! وفي نفس الأسبوع؛ بل بنفس اليوم نشرت إحدى الصحف المحلية أيضاً أنّ البيوت التعاونية ستوفر نصف مليون وظيفة خلال ثلاث سنوات. وبقدر إيماني بالجهود الكبيرة والمخلصة التي تبذلها كافة قطاعات الوطن لتحقيق تطلعات حكومة هذا الوطن العزيز، وتحقيق رؤيته الطامحة لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بشكل عام في وطننا؛ إلاّ أنني لا أحبذ القذف بالأرقام (اعتباطاً)، وهو ما تم في تصريحات هيئة الاستثمار في وقت مضى وأتوقع -وأتمنى أن أكون مخطئاً- أنها ستؤول إلى ذلك في التصريحين الأخيرين، حيث من غير المتوقع أن يرتفع أداء قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى هذا الرقم "الفلكي"، -وإن كنا نتمنى ذلك- كما لا أتوقع مطلقاً أن توفر تلك البيوت التعاونية أو الجمعيات التعاونية بأكملها في وطننا نصف مليون وظيفة خلال ثلاث بل ست سنوات. هذه التصريحات التي لا تحترم -في كثير منها- أهمية الرقم في حياتنا وفي بناء استراتيجياتنا وخططنا الوطنية؛ تُعد في نظري مخالفة كبرى يجب على من يطلقها تحقيقها أو تتم محاسبته بصرامة دون النظر مطلقاً إلى مسببات إخفاقه في تحقيقها، حيث إنّ تلك الطروحات لا تتحدث عن توقعات أو آمال تقبل التحقيق من عدمه، لكنها تطلق أرقاماً مهمة في بناء الاقتصاد الوطني، وهي ممارسة غير صحيحة -في نظري- تؤكد لي أيضاً أنّ ثقافتنا في التعاطي مع الرقم لم تتغير بحسب التغير الزمني أو ارتفاع المستوى الثقافي.. فجدتي (رحمها الله) كانت تجيب على أسئلة مندوب الإحصاء في ذلك الوقت وتعطيه أرقاماً غير دقيقة عن حجم الأسرة أو دخلها أو ما شابه ذلك.. وإن كان تحفظ جدتي في خفض الرقم ربما خشية العين أو الحسد، فإنّ رفع الرقم عند هؤلاء المسؤولين لا يختلف كثيراً عن مفاهيم جدتي (رحمها الله). أعتقد أنّ زمن نثر الأرقام دون تثبت أو رمي التطلعات البعيدة عن الواقع قد ولى، فنحن في عهد عُرف عن قائده -أمد الله في عمره- الدقة والوضوح والحزم والشفافية.. فهل نتثبت من أرقامنا في قادم الأيام، وهل يصبح للرقم قيمة عند صغارنا وكبارنا، أم يستمر الأمر على ما هو عليه دون حسيب أو رقيب.. ودمتم.