التاريخ لا يمكن أن ينسى مجزرة هيروشيما، والتي كانت بسبب استخدام الولاياتالمتحدة للسلاح النووي مما سبب مجزرة إنسانية مخيفة، والآن وبعد مرور السنوات هل يمكن لليابان أن تسن قانوناً تسمح من خلاله لأهالي ضحايا هيروشيما مقاضاة الولاياتالمتحدة عن تلك المجزرة؟ إن أي رجل قانون سيرى من ذلك أمراً مستحيلا وذلك بسبب الحصانة السيادية للدولة ولأسباب استراتيجية وسياسية أخرى قد تؤثر على مجرى العلاقات الأمريكية- اليابانية. ولكن الكونغرس الأمريكي وافق مؤخراً على قانون يعطي الحق لأهالي ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة الدول الأجنبية المتسببة في تلك الأحداث والتي كانت داعما للإرهاب على حد قولهم، إن هذا القانون يعود بنا للوراء، فبعد أن قطع القانون الدولي شوطا كبيرا لتستقر مبادئه وقواعده ابتداء بمعاهدة "وستفاليا" عام 1969م وبعد أن أقرت دول العالم مبدأ استقلال الدول ووجوب احترام السيادة يأتي هذا القانون لينتهك احد المبادئ الأساسية الدولية والتي أقرها ميثاق الأممالمتحدة وشدد عليها وهو مبدأ السيادة، إن أساس هذا المبدأ هو الحصانة الدولية، فإذا انتزعنا هذه الحصانة فنكون قد انتهكنا مبدأ السيادة، فالقانون الجديد يقضي بإسقاط الحصانة عن حكومات الدول وهذا ما لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة، فالحصانة الدولية لا تملك أمريكا ولا أي دولة أخرى نزعها منفردة، فليست هي المانحة لها وإنما القانون الدولي. إن القانون الدولي ومبادئه هو حصيلة ما استقرت عليه الجماعة الدولية وليس وليد رغبة دولة بعينها، إن صلابة القانون الدولي تأتي من أساسها العرفي المتين الذي نشأ من تكرار السلوك واطراده على مدى سنين طويلة ولا يمكن أن يتغير هذا العرف إلا بوجود عنصر الإلزام النابع من ضمير المجتمع الدولي وتطبيقه له وليس من تطبيق ورغبة دولة واحدة، هذا الأمر من الممكن يذكرنا بقضية احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين من قبل إيران، فهل سيكون من حق أهالي ضحايا المحتجزين رفع دعوى على إيران ومقاضاتها؟ تتجه أصابع الاتهام حاليا إلى المملكة بحجة أنّ مرتكبي هجوم 11/9 من بينهم أفراد كانوا يحملون الجنسية السعودية، ولكن هذا الربط لا أساس له، فأولاً مشروع القانون لم يحدد السعودية بعينها، ولكنه ذكر فقط دولا أجنبية بالعموم، كما أن كل نتائج التحقيقات الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر خلصت إلى أن السعودية ليس لها يد في الموضوع وبريئة من تلك الاتهامات، بالإضافة إلى أنه لا يمكن لقاعدة وطنية أو حكم قضائي وطني أن يلغي قاعدة دولية أو يمسها بأي شكل من الأشكال، كما أن مبدأ السيادة وقواعده المتصلة به من القواعد الآمرة في القانون والتي لا يمكن أن يتم تغييرها أو تعديلها إلا بقاعدة آمرة أخرى لها نفس القوة والمصدر. كما أنه لا تقوم مسؤولية الدولة عن أفعال رعاياها في الخارج إلا إذا قصرت الدولة في اتخاذ ما يلزم، ولكن المملكة اتخذت كافة السبل لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه ولم تمنع قضاء أمريكا من محاسبة من تراه متسببا في هجمات 11 سبتمبر، بالإضافة إلى أن الطائرات انطلقت من مطارات أمريكية وليست سعودية فبالتالي هي مسؤولية أميركا فهي من قصرت في اتخاذ ما يلزم من إجراءات أمنية على إقليمها، لقد عانت المملكة على مدى سنين طويلة من جرائم الإرهاب والأعمال الإرهابية التي لقي حتفهم جراءها الكثيرون، فهل يمكن للمملكة أيضاً أن تسن قانوناً وطنياً يسمح لأهالي الضحايا بمقاضاة دول أجنبية؟ * محاضرة في القانون الدولي بجامعة الملك سعود