إذا أردتَ قلب الطاولة على أميركا ومحاكمتها بمنطق قانونها الجديد "جاستا" فليس عليك إلا أن تحمل معك للمحكمة بضعة أفلام تفضح انتهاكات الساسة والعسكر الأميركان في دول العالم. لست بحاجة إلى مرافعات ولا إلى جلسات استماع أو كراسات قضائية لأن التجاوزات الأميركية أوضح من أن تبذل في كشفها أقل مجهود، وهي موثقة في أفلام مهمة ظهرت في العقود الأربعة الأخيرة. أول هذه الأفلام، وأهمها وأعظمها، فيلم "القيامة الآن-Apocalypse Now" للمخرج فرانسيس فورد كوبولا والذي ظهر عام 1979 وحقق السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي بالمشاركة مع الفيلم الألماني "طبل الصفيح". لعب بطولة "القيامة الآن" مارلون براندو ومارتن شين وروبرت دوفال ودينيس هوبر، وفيه وجّه فرانسيس كوبولا هجاء مقذعاً للآلة العسكرية الأميركية التي عاثت في أرض فيتنام فساداً وقتلاً وتدميراً، وكان مشهد "النابالم" الشهير علامة "دالة" على الجنون الأميركي الذي تألق في تجسيده الممثل روبرت دوفال. وعن فيتنام أيضاً صنع المخرج أوليفر ستون فيلمين يفضحان ممارسات الجندي الأميركي والأثر الذي تركه على الشعب الفيتنامي، أولها الفيلم الحائز على الأوسكار "بلاتون-Platoon" الذي يصور جنون الحرب وأثرها على جميع الأطراف المشاركة، ثم فيلم "ولد في الرابع من يوليو-Born on the Fourth of July" من بطولة توم كروز والذي أدى فيه شخصية جندي عاد لوطنه بعد إصابته بإعاقة جسدية وأصبح ناشطاً ضد الحرب، وقد حمل الفيلم إدانة صريحة لفكرة الحرب ذاتها وللتدخلات الأميركية في مصائر الشعوب الأخرى. في العام 1987 قدم المخرج الأميركي الكبير ستانلي كيوبرك مساهمة مهمة في هذا الاتجاه بفيلمه "سترات معدنية كاملة-Full Metal Jacket" حيث صور فيه الفلسفة العسكرية التي يتشربها الجندي الأميركي منذ أول يوم له في معسكرات التدريب والتي يتحول بموجبها إلى آلة قتل مرعبة تفتك دون تفكير، وقد اختار كيوبرك فيتنام مسرحاً لأحداث الفيلم. وكيوبرك نفسه قدم قبل هذا الفيلم بسنوات طويلة تحفته السينمائية "دكتور سترنجلوف - Dr. Strangelove" التي تعرّي -بطريقة ساخرة- الجنون الذي استحوذ على الآلة العسكرية خلال الحرب الباردة. لكن ماذا عن الجريمة الأكبر في القرن العشرين، القنبلتان النوويتان على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين؟. هل هناك من دليل سينمائي تستطيع استخدامه في المحكمة؟. لعله من الغريب أن حدثاً كارثياً مثل هذا لم يحظ باهتمام كاف من هوليود، سوى ظهوره بطريقة مواربة في عدد محدود من الأفلام من بينها الفيلم آنف الذكر "دكتور سترنلجوف" وفيلم "امبراطورية الشمس-Empire of the Sun" للمخرج ستيفن سبيلبرغ، لكن المخرج الياباني الكبير شوهي إيمامورا لم ينتظر هوليوود حتى تنصف بلاده، وقدم في عام 1989 فيلمه المميز "مطر أسود-Black Rain" وهو أشبه بوثيقة سينمائية ترصد الأثر المدمر الذي تركته القنبلة النووية على سكان مدينة هيروشيما. لنترك مآسي العالم جانباً ولنركز على ما يعنينا نحن العرب. لقد ظهرت منذ العام 2005 أفلام مهمة تناولت تداعيات 11 سبتمبر والغزو الأميركي على العراق، أهمها فيلم "سيريانا-Syriana" الذي يمكنك أن تعتبره أقوى الأدلة في قضيتك إذ يعترف فيه مسؤول أميركي بدور بلاده في فوضى الشرق الأوسط. لعب بطولة الفيلم جورج كلوني ومات ديمون واشترك فيه النجم المصري عمرو واكد. كما اشترك مواطنه خالد النبوي في فيلم أميركي آخر ظهر عام 2010 من بطولة شون بين ونعومي واتس ويحمل عنوان "لعبة عادلة-Fair Game" وقد احتوى على صورة مأساوية للواقع العراقي بعد الغزو الأميركي. الأمثلة السينمائية على تجاوزات أميركا لا تحصى، خاصة فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر وما ترتب عليها من ممارسات وأخطاء، مثل ما ظهر في فيلم Rendition للممثلة ريزي ويذرسبون والذي أدت فيه دور زوجة أميركية تبحث عن زوجها المصري الذي اختفى أثره بعد اعتقاله على خلفية تفجيرات سبتمبر. مثل هذا الفيلم وأفلام أخرى كثيرة ستجعل مهمتك في المحكمة سهلة، لكن عليك أن تحذر من استغلال خصومك لمسلسل "Home Land" الذي سعى –خاصة في جزءيه الأولين- إلى تكريس فكرة علاقة المملكة بالإرهاب عبر قصة مُختلقة مليئة بالأكاذيب.