عرف شيمون بيريز الذي توفي أمس عن 93 عاما بالجهود التي بذلها مع الفلسطينيين من اجل التوصل الى سلام لم يتحقق، لكن دوره كمهندس البرنامج النووي الاسرائيلي يترك إرثا سيستمر لفترة طويلة. ورغم صورة الباحث عن السلام التي التصقت به إلا أنه كان عنصراً نشيطاً في تنظيم "الهاجاناه" في العام 1947، وكان هذا التنظيم الذي نشأ في سنوات الانتداب البريطاني في فلسطين وحشياً، وتجسدت أقسى صور هذه الوحشية بمسؤولية التنظيم عن قتل 360 فلسطينياً في دير ياسين، وبمرور الوقت أصبح هذا التنظيم قاعدة التأسيس للجيش الإسرائيلي. واستطاع بيريز عبر عمله في هذه المنظمة مع التقرب الى ديفيد بن غوريون والعمل معه. وفي سبعينيات القرن الماضي أطلق بيريز شرارة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وكان يشغل حينها منصب وزير الدفاع. كما كان رئيسا للوزراء عندما قصف الطيران الاسرائيلي في ابريل 1996 قرية قانا جنوبلبنان فقتل 106 مدنيين، الامر الذي شكل ازمة لبيريز. ولعب بيريز دوراً هاماً في مسعى اسرائيل لحيازة قوة نووية بناء على طلب من رئيس الوزراء الاول للدولة العبرية ديفيد بن غوريون. وتوصل بيريز الى اتفاق سري مع فرنسا ادى الى بناء مفاعل نووي في ديمونا في صحراء النقب بدأ بالعمل عام 1962. وتعد اسرائيل حاليا القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط، مع انها لم تؤكد او تنفي ابدا حيازتها سلاحا نوويا، وتعتمد الغموض إزاء هذا الموضوع. وتقدر "مبادرة التهديد النووي"، وهي منظمة تتخذ من الولاياتالمتحدة الاميركية مقرا، ان اسرائيل أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لتسليح ما بين 100 و200 رأس حربي نووي. وحاز بيريز الذي شغل منصب الرئيس مرة ومنصب رئيس الوزراء مرتين، في عام 1994 جائزة نوبل للسلام لدوره في المفاوضات التي أدت الى التوصل الى اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين، ولم ير اي تناقض بين انجازه هذا وجهوده في البرنامج النووي. وقال في مقابلة مع مجلة "تايم" الاميركية في فبراير الماضي "ديمونا ساعدتنا في التوصل الى اوسلو". وأضاف أن "الكثير من العرب، بفعل الشك، توصلوا الى استنتاج مفاده انه من الصعب جدا تدمير اسرائيل بسبب ذلك". وكلف بن غوريون بيريز المسؤولية عن البرنامج النووي عندما كان يشغل منصب مدير عام وزارة الدفاع. وكتب المؤرخ افنير كوهين في كتابه "اسرائيل والقنبلة" ان رئيس الوزراء بن غوريون وضع البرنامج النووي في سلم اولوياته، بسبب المحرقة والحرب العربية-الاسرائيلية عام 1948 التي جاءت مع قيام دولة اسرائيل. واضاف "اصبحت طاقة بيريز التي لا حدود لها ومهاراته السياسية عنصرا ضروريا في تحقيق آمال اسرائيل النووية". ويشير الباحث في المعهد الاسرائيلي لدراسات الامن القومي افرايم اسكولاي الى ان بن غوريون كانت لديه ثقة هائلة في بيريز. ويقول "اعتبره واحدا من اكثر الاشخاص قدرة في البلاد وشخصا يمكنه تنفيذ المهمة". واستعان بيريز بفرنسا في برنامج اسرائيل النووي السري. وتم اخفاء الامر حتى عن الولاياتالمتحدة الاميركية التي تعد حاليا اهم حليف لاسرائيل. وبعدها بسنوات، في عام 1969، توصلت اسرائيل الى اتفاق مع واشنطن يمتنع بموجبه القادة الاسرائيليون عن اصدار اي بيانات حول قدرات الدولة العبرية النووية وعدم اجراء اي تجربة نووية. الا ان الولاياتالمتحدة تتجنب ممارسة اي ضغوط على اسرائيل في الموضوع النووي. ولم توقع اسرائيل حتى الان على معاهدة حظر الانتشار النووي. ولطالما اكد بيريز وقادة اسرائيليون آخرون ان سياسة الغموض المتعمدة التي تتبعها الدولة العبرية ساهمت في حماية اسرائيل من الدول المجاورة المعادية والاستفادة من اتفاقات السلام، بينما انتقدها آخرون بشدة.