تبنت إيران نهجا تصعيديا ضد أكراد إيران، وهو ما وضح في إعدام 20 كرديا والتهديد بالقيام بعملية عسكرية في المناطق التي توجد فيها ميليشيا "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الإيراني وحركة "بيجاك" في شمال العراق، وهو ما يأتي نتاجا مباشرا للتطورات الإقليمية، خاصة دعم بعض القوى الدولية للأكراد في الحرب ضد تنظيم "داعش"، الأمر الذي يفسر أسباب التقارب النسبي بين إيرانوتركيا حيال هذا الملف، فضلا عن كونه من القضايا الخلافية في علاقة إيران بكل من الولاياتالمتحدةوروسيا، هذا ما كشفه تقرير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة والذي استملت "الرياض" نسخة منه. واكد التقرير ان إيران اتخذت إجراءات تصعيدية عديدة خلال الفترة الأخيرة تجاه أكراد إيران، حيث تم تنفيذ حكم الإعدام بحق 20 كرديا في 2 أغسطس الجاري بتهم تتعلق بالدعاية ضد النظام والانتماء لجماعات سلفية، وهددت السلطات الإيرانية باجتياح المناطق التي توجد فيها ميليشيا "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الإيراني، وحركة "بيجاك" في شمال العراق ًرداً على المواجهات التي جرت بين الحرس الثوري وعناصر كردية في بعض مناطق أذربيجان الغربية وكردستان إيران. وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن هذا التصعيد لا يبدو جديداً، في ظل السياسة التي تتبناها إيران في التعامل مع الأقليات العرقية بصفة عامة، فإنه لا ينفصل عن التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية، لاسيما فيما يتعلق بتصاعد دور الأكراد في الحرب ضد تنظيم "داعش"، والذي بدأ يحظى باهتمام خاص من جانب القوى الدولية المعنية بالأزمة السورية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا، وهو ما يبدو أنه سوف يؤثر في السياسة الإيرانية تجاه تلك الأطراف. واضاف التقرير ان هذه المواجهات بين إيران والأكراد تكتسب طابعاً خاصاً لاعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في أن الحركة القومية الكردية كانت هي الأبرز تاريخياً داخل إيران، خاصة أن الأكراد تمكنوا من تأسيس جمهورية كردية في عام 1946 هي جمهورية " مهاباد الشعبية الديمقراطية " بزعامة قاضي محمد، وبدعم من جانب الاتحاد السوفياتي، الذي اتجه بعد ذلك إلى سحب هذا الدعم، وهو ما كان له تأثير سلبي قوي على الجمهورية الجديدة التي سقطت بعد عشرة شهور فقط من تأسيسها. لذا تتخذ إيران إجراءات حاسمة ضد أية احتجاجات يتم تنظيمها داخل المناطق الكردية، مثل الاحتجاجات التي شهدتها مدينة مهاباد في مايو 2015 عقب انتحار إحدى الكرديات تجنباً للاعتداء عليها من جانب أحد عناصر الأمن، والتظاهرات التي تم تنظيمها في ذكرى اغتيال عبدالرحمن قاسملو قائد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على أيدي عناصر الاستخبارات الإيرانية في فيينا عام 1989. واضاف التقرير انه ينصرف الاعتبار الثاني إلى تزايد مخاوف إيران من إمكانية اختراق تنظيم "داعش" حدودها مع كل من تركياوالعراق، وذلك من خلال تكوين "خاليا نائمة" يمكن من خلالها استهداف مصالح ومؤسسات إيرانية بارزة، ووفقا ًلرؤية طهران فإن تنظيم "داعش" يبذل جهودا حثيثة من أجل التمدد داخل حدودها، خاصة أنه يعتبر إيران خصما رئيسياً في العمليات العسكرية التي يتعرض لها في كل من العراق وسورية، وذلك على الرغم من إشارة اتجاهات عديدة إلى أن عدم مهاجمة التنظيم لإيران خلال الفترة الماضية يرجع إلى توصل الطرفين لما يمكن تسميته ب "هدنة ضمنية ". وقد تبنت إيران السياسة نفسها في السابق مع تنظيم القاعدة الذي كان يوجد على حدودها مع كل من أفغانستانوالعراق، وتوصلت معه طهران إلى اتفاق يقضي بعدم استهداف التنظيم إيران أو مصالحها في الخارج، مقابل غض الطرف عن انتقال بعض عناصره عبر أراضيها، والتغاضي عن أنشطة التنظيم لجمع الموارد المالية اللازمة لتمويل أنشطته، وفرضت إيران إقامة جبرية على بعض قادة وعناصر التنظيم لضمان التزامه بالاتفاق. وكان للتطورات التي تشهدها الأزمة السورية انعكاسات مباشرة على المواجهات المتصاعدة بين أكراد إيران والمؤسستين العسكرية والأمنية؛ إذ فرض الدور البارز لأكراد سورية والعراق في الحرب ضد تنظيم "داعش"، خاصة في معركتي عين العرب "كوباني" ومنبج، ضغوطات قوية على تركيا، التي تمثل أحد الأطراف الرئيسية التي تدعم قوى المعارضة السورية التي تسعى لإسقاط النظام السوري، وهو ما يتوافق نظرياً مع مصالح إيران ونظام الأسد، ولكن على الرغم من ذلك يفرض صعود الدور الكردي في هذه الحرب مخاوف عديدة أيضا لدى إيران. ومن هذه المخاوف سعي أكراد سورية إلى تأسيس فيدرالية كردية في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال سورية، فضلاًً عن تصاعد تأثير ودور إقليم كردستان، في ظل العلاقات القوية التي يؤسسها الإقليم مع الولاياتالمتحدة الأميركية، التي ترى أن الميليشيات الكردية تمثل طرفا لا يمكن تجاهله في الحرب ضد "داعش"، إلى جانب اتساع نطاق المواجهات الأمنية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، بعد استبعاد أنقرة سياسة التهدئة التي تبنتها في السابق، وتراجع احتمالات الوصول إلى تسوية للقضية الكردية، كل ذلك يمكن أن يمثل، وفقا لرؤية إيران عوامل محفزة لأكراد إيران لتصعيد احتجاجاتهم وضغوطهم على الدولة من أجل الحصول على حقوقهم السياسية والاجتماعية، وربما تبني مطالب وتوجهات انفصالية. واكد التقرير انه من هنا ربما يمكن تفسير حرص إيران على الاحتفاظ بعلاقات قوية مع تركيا على الرغم من الخلاف المتصاعد بين الطرفين في التعامل مع الازمة السورية، حيث ترى طهران أن تزايد الدور الكردي في المنطقة يفرض تهديدات مشتركة لمصالح الطرفين، لكن اللافت في هذا السياق، هو ان ايران ربما تحاول استغلال هذا الملف تحديداً لتقليص حدة التوتر بين تركيا ونظام الرئيس السوري بشار الاسد، باعتبار أن مواجهة ما يمكن تسميته وفقا للرؤية الإيرانية ب "الخطر الكردي" يدخل ضمن المصالح المشتركة لأنقرة ودمشق. ومن هنا ربما يمكن تفسير تزايد التقارير التي تشير إلى إجراء حوارات بين مسؤولين أتراك وسوريين في إيران خلال الفترة الماضية، لمناقشة الملفات الخلافية العالقة بين تلك الاطراف. ويمكن القول أيضا إن الملف الكردي يمكن أن يتحول إلى أحد الملفات الشائكة في علاقات إيران مع كل من الولاياتالمتحدة الاميركية وروسيا، إذ ترى إيران أن حرص واشنطن على دعم الدور البارز الذي تقوم به الميليشيات الكردية في العراق وسورية في الحرب ضد "داعش"، قد يكون مقدمة لتأسيس علاقات قوية بين واشنطن والميليشيات الكردية في كل دول المنطقة، ومنها إيران، التي ما زالت قيادتها العليا ممثلة في المرشد الاعلى علي خامنئي، فضلاً عن المؤسستين الأمنية والعسكرية، ترى أن تحسن العلاقات مع الولاياتالمتحدة بعد الوصول للاتفاق النووي لم يقلص مساعيها لاختراق التكوينات الاجتماعية الإيرانية المختلفة بهدف مواصلة فرض ضغوط قوية على النظام الإيراني وإضعافه. من جانب آخر، لا ينفي التقارب الواضح بين إيرانوروسيا أن ثمة محاور خلاف عديدة بين الطرفين يمكن أن تتصاعد تدريجياً خلال المرحلة القادمة، فإيران لا تبدي قلقاً فحسب من اتساع نطاق النفوذ الروسي في سورية، الذي حول موسكو إلى أحد الأطراف الرئيسية التي تمتلك القدرة على تحديد المسارات المحتملة للازمة السورية بشكل قد لا يتوافق بالضرورة مع مصالح إيران، وإنما لا تخفي ايضاً امتعاضها من تحسن العلاقات بين روسيا والأكراد، على اعتبار أن ذلك يمكن أن يمثل، على المدى الطويل، آلية رئيسية ربما تستخدمها روسيا لدعم دورها ونفوذها في المنطقة، من خلال تأسيس علاقات قوية مع بعض الفاعلين من غير الدول، على غرار الاكراد. في هذا الإطار، تدرك إيران جيداً أن دعم الأكراد لا يمثل سياسة جديدة سوف تتبناها روسيا، حيث سبق أن ساعد الاتحاد السوفياتي على تأسيس جمهورية "مهاباد" الكردية، بشكل يوحي في النهاية بأن محاور الخلاف بين إيرانوروسيا قد لا تنحصر فقط في التعامل مع التطورات السياسية والميدانية في سورية، بل قد تمتد إلى قضية دعم الأكراد كذلك، وهو ما يمثل تهديدا أمنياً مباشراً للامن الإيراني.