عادت المسألة الكردية للظهور على صفحة الحوادث والمناقشات في تركيا، مرآة للأحوال الإقليمية ومنازعاتها. وحين هاجم حزب العمال الكردستاني الجيش التركي، وقتل 11 جندياً في 19 حزيران (يونيو)، شن الجيش حملة برية وجوية في جنوب شرقي تركيا وشمال العراق حيث يتحصن نحو 2000 مقاتل. وبينما أنقرة تعبئ قواتها وتعد العدة لقتال «المنظمة الإرهابية»، بحسب التسمية الرسمية، وصف رجب طيب أردوغان «حماس» ب «حركة مقاومة شعبية» في وجه القهر. وأسرع خصوم رئيس الوزراء الى التنبيه الى الانحياز وازدواج الموقفين. وسبق ان علق الإسرائيليون على استقبال أنقرة، في 2006، وفداً من «حماس»، بالقول: ما كان رأيكم لو استقبلنا أوجلان بتل أبيب؟ والمنظمتان «الكردستاني» و «حماس»، مدرجتان على لائحة المنظمات الإرهابية، وهما مصدرا مشكلات أمنية ووطنية مهمة في البلدين. والحق ان المقارنة بين الكرد والفلسطينيين، وهما شعبان من غير دولة، ليست جديدة. وهما يتقاسمان اعتمار الكوفيات، ورشق الأولاد المصفحات وناقلات الجند بالحجارة، والحرب الدعائية، ونسبة ولادة عالية قياساً على الولادات الإسرائيلية والتركية. وعلى رغم الفروق الكثيرة، يطرح الشعبان مسألة مشتركة مركزية هي حق الشعوب في تقرير مصيرها، على ما نصت المادة الأولى من ميثاق الأممالمتحدة. ويتهدد مصير 32 مليون كردي - تتقاسمهم 4 بلدان هي تركيا وإيران والعراق وسورية - شأن مصير الفلسطينيين، استقرار المنطقة وجوارها. ويحتمي قادة «الكردستاني» العسكريون، غداة طردهم من لبنان وسورية في أواخر التسعينات، بجبال شمال العراق، شأن قادة «بيجاك» الشعبة الإيرانية من المنظمة الكردية. وتنسق تركيا وإيران عملياتهما العسكرية ومطاردتهما المتمردين وراء حدودهما، وتجتاز قواتهما حدود كردستان العراق، وتقصف المعاقل الكردية. وتساند الولاياتالمتحدة وإسرائيل عمليات الجيش التركي. وتنفي الحكومة التركية كل مقارنة بين المسألتين الكردية والفلسطينية. فيقول إحسان بال، محلل منظمة البحث الاستراتيجي الدولي (USAR) القريبة من الحكم، ان تركيا تكافح الإرهاب في إطار واسع يحتسب الوجوه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ولا يقتصر على الأمن. ويقارن أردوغان «الكردستاني» ب «إرهاب الدولة» الإسرائيلي. وتغمز تركيا من طرف خفي، من أنشطة مفترضة تقوم بها الدولة العبرية في الجزء الكردي من العراق، وتسلح بموجبها «الكردستاني» سراً. وصحافة اسطنبول حمّلت إسرائيل المسؤولية عن الهجمات الأخيرة رداً على رعاية الأسطول المنحاز الى الفلسطينيين. ونسبت قيادة «الكردستاني» الرأي هذا الى «حملة تضليل» تتوسل بها تركيا الى استمالة الرأي العام في الدول العربية. والشارع التركي يتهم الدول الغربية كذلك بمساندة الأعمال الحربية الكردية في سبيل إضعاف ايران. وبعض دوائر المراقبين والمحللين الغربيين تميل تدريجاً الى قبول هذه الفكرة. ويدعو باحثون وسياسيون الى شطب «بيجاك» من لائحة الحركات الإرهابية. والمسألة الكردية، شأن المسألة الفلسطينية، دخلت في سياق الزمن الطويل. ويلقى انخراط الأتراك، وهم نحو 20 في المئة من السكان، واندماجهم مقاومة شديدة. وإلى اليوم، لم تقترح، حقيقة وفعلاً، معالجة غير المعالجة العسكرية. ف «الكردستاني» يقاتل منذ 1984، وبلغت كلفة مكافحة الإرهاب 250 بليون يورو و40 ألف قتيل، وأحرقت 4 آلاف قرية، ونزح ملايين من الأهالي، والمجتمع التركي يهجس ب «الإرهاب». و «الكردستاني» هو حركة التمرد التاسعة والعشرون في أقل من قرن. وتنفجر في سورية وإيران اضطرابات كردية دورية، تعقبها حملات اعتقال تطاول الناشطين والمثقفين. وتتبادل العصبيات الكردية والعصبيات الوطنية الغالبة الإثارة، ويقوي بعضها بعضاً. وفي العراق، اضطلعت الثورة التي قادها البرازانيون، وهم قبيلة شمالية قوية، في ثلاثينات القرن الماضي بدور راجح في تحرر الكرد. وفي 1946، أنشأ مصطفى البرازاني جمهورية مهاباد، بشرق إيران. وفي أعقاب عقود من القمع البعثي، يتمتع الأكراد بحكم ذاتي، ويتولون إدارة نواة دولة في رعاية الولاياتالمتحدة. فهل يكون هذا خطوة على طريق الحل؟ * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 15/7/2010، إعداد وضاح شرارة