ما هو الإرهاب بصفة عامة كما تعرفه القواميس؟ هو (أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لاتجيزها القوانين المحلية أو الدولية) . وعلى هذا فلم ينحصر الإرهاب على طلقات الرصاص. والإرهاب يجتاح العالم أكثر من أي وقت مضى، وصراخ الرصاص ينصب على رؤوس الشعوب وبدون جريرة اقترفوها! ولكن في بلادنا يوجد إرهاب من نوع آخر، وهو الإرهاب الفكري. ومما لا شك فيه أن الإرهاب الفكري أشد أنواع الإرهاب ضراوة وأشد تدميرا للفكر وللأفكار وبالتالي للبشرية، وبطبيعة الحال الفرق كبير بين الفكر والفكرة. فالفكرة ولاَّدة طارحة تثمر كل يوم إنسانا جديداً إن انساق لها الفكر وسار في ركابها، أما إذا ما احتجزت داخل إطار حديدي ضمرت وماتت! وموت الأفكار شيء مؤلم ومنغص للعيش ومهدر للطاقات، والخوف هو المِعول الأساس لقتل الفكر وتحجيمه!. من الذي يفرض الحصار الفكري على نتاجنا الإبداعي وعلى أفكارنا؟ من هو وكيل خلق الله على أنفسهم؟ من الذي أمهر صك الوكالة بخاتمه الخفي الذي لا يطبع إلا قطرانا تسيل به الأشداق. فينتشر الكذب والرياء والتدليس وتغيب الحقيقة خوفا من بعضنا، خوفا من التطاول ومن الألسنة، وخوفا من شماتة الأعداء، وخوفا من حديث المجالس وخوفا من انتشار النميمة ثم التهديد إن خالفته الرأي. لقد بدأت هذه المدرسة من الولاياتالمتحدة الأميركية وذالك عام 2001 إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأحداث البرجين، حين زأر (بوش الابن) واستنفر ثم أقبل وأدبر ثم قال : من ليس معنا فهو ضدنا! ومن هنا تأسست مدرسة إقصاء الآخر والاستبداد بالرأي، إما القتل أو التشهير، أو التحقير، والحمد لله فآلة التواصل الاجتماعي قضت على مجالس النميمة في تجمع النساء، لأنها أضحت قولا من خلف ستار، والقول من خلف الأستار ليس من فعل الفرسان ولا من شيم الرجال. ونحن كما تعلمون لسنا كالغرب، فنحن قوم تهاب القيل والقال، لأنه يحمل مفهوم العيب، والعيب عند العربي أشد من القتل. لماذا هذه الحدة بين البشر والاستئثار بالرأي، والذود عن انتصار الذات دون مرونة؟ فأصبح الرأي الحر مرهوناً برضا الآخرين خيفة بل اتقاء الإرهاب الفكري المقيت والجديد علينا وعلى ديننا الحنيف، فقد قال الله في كتابه الكريم لرسوله (لست عليهم بمسيطر) الآية. وهو خيرة البشر الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم! فأصبحت الآن الهيمنة الفكرية سبيلا للسيطرة حتى إنها أصبحت تشكل سلطة في تشكيل البنية الاجتماعية الحديثة ! أليس هذاا دليلا على أنها دخيلة علينا وعلى معتقداتنا؟ سأروي لكم محادثة جرت بيني وبين سيدة لا أعرفها وربما لا تعرفني هي أيضا سألتني سؤالا فلم أبادرها الإجابة في بداية الأمر فكررت السؤال فأجبتها بما يرضيها على ما يبدو، فقالت : والله لو أنك أجبتِ بغير هذه الإجابة لقمت بحملة لأطالب فيها بسحب تكريمك! ألاختلاف الرأي تقام الحملات والعداوات بين البشر؟! شيء عجيب وغريب من حملات التصنيف والإقصاء لمجرد الاختلاف في الرأي، فهذا سني وهذا شيعي وهذا قبيلي وهذا خضيري، وهذا ليبرالي وذاك علماني وكثير من التصنيفات التي أضحى الفرد منا يُصنف، فيصبح صِنفا وهذا نوع من التشيؤ ، أي يصبح الإنسان شيئا يحمل علامة تعريفه (ماركة)، والتشيؤ هو أخطر درجات التسليع على الإنسان والإنسانية! ثم تنال منه النميمة في (الشات والسناب، والفيس)! بالله عليكم ياسادة ألسنا أبناء دم واحد ودين واحد وجنس واحد ولغة واحدة ما يصبغنا بصبغة الهوية الواحدة والتي يندر أن تجتمع في مجتمع من مجتمعات العالم المتعددة العرقيات والجنسيات واللغات والأديان ؟! وبالرغم من هذا نجدهم يحيون في سلام ووئام ! يا سادة ..العالم الآن لا شغل له إلا الإرهاب والدواعش، أما نحن فنمطر بعضنا بألسنة حداد أشد من سلاح الدواعش، فتدب بيننا الفرقة والعداوة والبغضاء لا قدر الله. لقد فطنت الدول لهذا الخطر ودعت إلى إقامة الحوار وأقيمت المؤتمرات والندوات لفتح سبل الحوار. وللحوار شأنه في طرق أبواب القلوب إن فهمنا كنهه! لكننا نقيم الحوار في القنوات والصحف والمؤتمرات وبدواخلنا غريزة الانتصار التي تربى عليها العربي وشكلت شخصيته، ومن هنا يدخل الفرد منا في الحوار وكأنه في مبارزة شعرية! ياسادة.. الحوار يختلف عن الشعر ومبارزاته. الحوار هو ما يجري بين فكرتين لكي تنتجان لنا فكرة ثالثة تحمل في مجملها فكرا تنضح به الفكرة، وليس حوارا بين شخصين تغلب عليهما الذاتية والشوفونية ومعبأة بأفكار شديدة التعصب لها. وإذا تدخلت الشخصية في مدارات الحوار أفسدته، هكذا تعلمنا من المسرح الذي هو سيد الحوار. إن هذا التصنيف القائم على نعوت لا أصل لها سوى تحقيق مصالح شخصية، أو إحداث ضغوط نفسية على بعضنا، أو تحقير من شأن بعضنا ونحن نواجه العالم في أصعب منعطف تاريخي، فمن ولمن المصلحة من فت عضد بعضنا والمستهدف في آخر الأمر هو الفكر بجميع صنوفه عقائديا كان أم علميا أم سياسيا أم قل ما تشاء! أليس أحمد زويل رجلا عربيا حصل على نوبل ولقب بأبي الكيمياء الحديثة واخترع تلسكوبا يسهم في علاج البشرية، ويرفض خلط العلم بالسياسة بل يرفض ترشيحه لرئاسة الجمهورية لأنه يقول لا وقت لدي للاستمتاع بالتجاح، فنجد أحداً يقول : إنه رجل صهيوني ! لماذا تحقير العلماء والأدباء والأفذاذ منا؟ أليسوا هم ثروتنا؟! لقد أصدر الملك عبدالله قرارا بمعاقبة كل من يتطاول على العلماء والمفكرين، ألا يفعّل هذا القرار يا سادة لكي نحافظ على رموزنا سواء اتفقنا معهم أم اختلفنا؟ سأختم مقالي هذا بتبيان أحد أركان مخطط الصهيونية العالمية إبان ما يسمى بالربيع العربي وأفصحوا عنه في مؤتمر المعهد الديمقراطي 2011 إنه ( كسر الكاريزما) وهو هدم أي كاريزما مهما كان وضعها ابتداء من الأب ثم المعلم مرورا بالعلماء والمفكرين وانتهاء بالقادة والساسة! وكي يسود هذا المفهوم ويدب في الوجدان العربي يضع على صدره شارة الحرية والثورية والتغيير، وهو يرتع في ملعب فريدريك إنديك وتوماس فريدمان وغيرهما وهو لا يعلم ! إن لنا شيماً لابد ألا نفرط فيها لأنها تخصنا دون غيرنا ونحن من أسسها وهي التي تبني الإنسان والإنسانية التي يتبناها الغرب الآن ونحن أصل منبعها، إحداها هو الاحترام المتبادل وتقدير الكبير والعطف على الصغير، ولنا في رسولنا الكريم خير أسوة، فحينما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : كان خلقه القرآن، ثم قال عنه الله عز وجل : (وإنك لعلى خلق عظيم)، فأي أخلاق نحياها ونحن نرهب بعضنا و(شاتات وتويترات) نسلخ وجه هذا ونحقر ذاك، فأصبحنا في دائرة من الإرهاب المقنع بقناع الرأي والحرية، بينما الحرية شيء آخر ترفع من قدر الإنسان ولا تمتهن كرامته، فهل نفيق ونحن على دم واحد يدفق في عروقنا وبدون تصنيف أو تطاول ، سواء اختلفنا أم اتفقنا؟ أما نحن فنحن نكبر بصغيرنا ونرتقي بكبيرنا - رغم أنف إنديك وفريدمان- يفوح بين شراييننا عطر زكي اسمه الدم الواحد يا سادة، مهما اختلفنا . [email protected]