عندما رفضت روزا باركس أن تغادر المقعد المخصص للبيض، وتنتقل إلى ذاك المخصص للسود في الحافلة، لم تكن تمتلك برنامجا نضاليا محتشدا بالشعارات ضد العنصرية في الولاياتالمتحدة، كانت محض خياطة بسيطة تحاول أن تمارس حقا من حقوق إنسانيتها كمواطنة تعيش في مدينة تحتكم إلى القوانين المدنية، هذا قبل أن تتحول إلى أيقونة ورمز من رموز نضال الملونين في أميركا. وأنا أجزم أن الإحدى عشرة ألف مواطنة اللواتي قدمن إلى المحاكم العامة في المملكة طلب صك إعالة وولاية العامين الماضيين، لايمتلكن أجندات نسوية أو مخطط تغريبي في حقائبهن، هن فقط مواطنات يردن الانتهاء من إجراءات أوراقهن الرسمية بسلاسة وبساطة، دون أن يتعرضن للتأجيل والريبة والابتزاز والتعطيل . وقضية ولاية المرأة على نفسها بدلا من أن تكون إجراء إداريا روتينيا، نجد ان البعد اللغوي لعب دورا كبيرا في صياغة المواقف حولها، فمفردة الولاية (وبجميع مشحونها التاريخي وإرثها الفقهي) جعل (المُعطلة) يدخلونها إلى وعي التجاذب بين التيارات، وأصبحت ميدانا لفرد العضلات، وبالون اختبار يحاول البعض من خلاله إظهار مدى سطوته وهيمنته على صناعة القرار الاجتماعي والسياسي. فقضية الولاية في بعدها الشرعي يعرف الجميع بأنها تنحصر في عقد القران، بل إن بعض المذاهب تجيز تزويج المرأة نفسها. لذا هي بحاجة هنا لأن تزحزح من سياقها الأيدلوجي، لتصبح محض إجراء إداري (ولاية تصريف أعمال). بعد أن تفشى مفهوم يجعل هناك قصور طبيعي تولد المواطنة به، وامتد كشبكة عنكبوتية من الوصاية وتحول الرأي الفقهي الأحادي إلى إجراء إداري يستعمل ذراع الدولة ضد حقوق المواطنات دون مسوغ. وهو الأمر ليس بالمستغرب، فالذاكرة الوطنية ما برحت تذكر المواقف من تعليم المرأة، وعملها في الطب، وابتعاثها..الخ، وهو موقف ألفناه ونتوقعه، يتداخل به الاسترابة والحذر من الجديد مع الحرص على الحفاظ على مناطق الهيمنة والنفوذ في دوائر صناعة القرار. وإن كانت المملكة دوما تتجاوز هذه المواقف عبر الوعي بأن (الأمور بمقاصدها)، وإن مناط الأمر في التشريع هو رفع الضرر أو قطعه.. فأعتقد أن ليس هناك ضرر أكبر على المواطنة من عدم اكتمال هويتها الوطنية داخل أي دائرة حكومية تحتاج للتعامل معها.. [email protected]