"الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل"، يبدو أن هذه المقولة/الحكمة الحاضرة بقوة في واقع العالم العربي الذي يُعاني من الكثير من الأزمات والصراعات والانقسامات، ستبقى خالدة تماماً كخلود قائلها العالم العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل في العلوم وتحديداً في الكيمياء الدكتور أحمد زويل الذي رحل قبل عدة أيام، تاركاً إرثاً علمياً وثقافياً وإنسانياً لا مثيل له على الإطلاق. إن قصة هذا الرمز العربي الحقيقي، تستحق الإعجاب والإلهام والفخر، فقد "كرّس حياته بشرف وأمانة وإخلاص للبحث العلمي، وكان خير معلم لأجيال عديدة من علماء المستقبل الذين سيُكملون مسيرة عطائه من أجل صنع واقع أفضل للإنسانية". ولد العالم الكيميائي المصري أحمد حسن زويل في عام 1946 في دمنهور، لأب امتهن إصلاح وتركيب الدراجات الهوائية ثم عمل كمراقب فني بصحة دسوق، ولأم قنوعة وطيّبة المعشر وهبت كل حياتها لعائلتها وخاصة ابنها الوحيد بين ثلاث شقيقات. في عمر الرابعة، انتقل أحمد زويل مع أسرته إلى مدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ، والتي نشأ وتلقى تعليمه الأساسي فيها. وبسبب ميوله وشغفه بالعلوم والرياضيات، التحق بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية، وحصل عام 1967 على البكالوريوس في الكيمياء مع مرتبة الشرف وهو في الواحدة والعشرين من عمره. عُيّن معيداً في نفس الكلية، وأنهى رسالة الماجستير المتعلقة بعلم الضوء والتحليل الطيفي في ثمانية أشهر فقط، وهذا لا يحدث إلا نادراً في مجال الدراسات العليا. ونظراً لنبوغه وتميزه، شجعه أساتذته في جامعة الإسكندرية للذهاب إلى أمريكا لاستكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه. لم تكن الظروف مهيأة لذلك، ولكنه تغلّب على كل الصعاب وحصل على منحة علمية لدراسة الدكتوراه في أمريكا. بمرتب شهري لا يزيد عن 300 دولار وبلغة إنجليزية متواضعة جداً، بدأ ذلك الشاب المصري المكافح رحلة شاقة ومضنية ليحقق حلمه، بل حلم عائلته ويحصل عام 1974 على درجة الدكتوراه في علم الليزر من جامعة بنسلفانيا. انتقل الدكتور أحمد زويل إلى جامعة كاليفورنيا ليعمل في مجال البحث العلمي لمدة ثلاث سنوات. وفي عام 1976، وهو في الثلاثين من عمره فقط، انتقل للعمل في معهد كاليفورنيا للتقنية "كالتك" أحد أهم المؤسسات العلمية الجامعية الأمريكية والتي حصل 30 أستاذاً منها على جائزة نوبل. في عام 1982، حصل على الجنسية الأمريكية. وتدرج في العديد من المناصب العلمية والقيادية، وأصبح مديراً لمعمل العلوم الذرية، وأستاذاً في معهد "لينوس باولينج" الشهير. ونشر أكثر من 350 بحثاً علمياً في أهم المجلات العلمية المرموقة، وأصدر عدة كتب في مواضيع متنوعة، كما قدم الكثير من الدراسات والابتكارات العلمية، لعل أهمها على الإطلاق ابتكاره لنظام تصوير سريع للغاية يعمل باستخدام الليزر، وله القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها والتحامها، ويُطلق على الوحدة الزمنية التي تُلتقط فيها الصورة "فيمتو ثانية" وهو جزء من مليون مليار من الثانية، وكانت سبباً رئيسياً لحصوله على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، لأن هذا الإنجاز العلمي العظيم سيُسهم في كشف الكثير من الأمراض بشكل دقيق ومباشر وسريع. حصل الدكتور أحمد زويل على أكثر من 100 جائزة علمية عالمية من بينها جائزة ألبرت أينشتاين العالمية ووسام بنجامين فرانكلين وجائزة ليوناردو دافنشي وجائزة الملك فيصل وميدالية بريستلي، إضافة إلى العديد من الأوسمة والشهادات العالمية. وورد اسمه في قائمة الشرف بأمريكا والتي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في نهضة وتطور أمريكا، وتم اختياره ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا والذي يضم 20 عالماً مرموقاً في عدد من المجالات، كما حصل على وسام الاستحقاق المصري من الطبقة الأولى، وقلادة النيل العظمى وهي أعلى وسام مصري. وكما بدأ أحمد زويل بحلم، أراد أيضاً أن يُنهي حياته الملهمة بحلم آخر، وهو مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا التي وضع فيها كل خبرته وتجربته وطموحاته وأحلامه لتكون الرافعة العلمية التي تضع العالم العربي في قائمة العالم المتقدم. [email protected]