العالم الراحل أحمد زويل رحمه الله بيَّن الدين الإسلامي الحنيف قيمة العلم في أكثر من موضعٍ ما بين آيات قرآنية أو أحاديث شريفة، حتى أنَّ رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام أول ما نزل عليه من الوحي كانت كلمة «إقرأ». قيمة العلم لا تكمن فيه بحد ذاته بل بمن يتعاطاه، فكلما كان طالب العلم أمينًا على ما لديه، حريصًا على نفع الناس به، أوفى بذلك فريضة مهمة من فرائض الإسلام! نعم فالإسلام يحضك على إفادتك لمجتمعك، وعدم بُخلك بما عندك من علم ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم. وقد حبا الله مصر بمزيج مُميز من العلماء وطالبي العلم على مر العصور، ووهبهم حُسن الإدراك والنهل من فيض العلم دون كلل أو ملل، وتقديم ما يعرفونه عنه لوجه الله تعالى، فهم لا يطلبون مُقابل ذلك جزاءً أو شكورًا، حتى أنهم ضحوا بأرواحهم فداءً لهذا العلم في وقتٍ من الأوقات. آخر هؤلاء الأفذاذ الذين يخشون الله عزَّ وجل، وطلبوا العلم في أماكن عدة، العالم الجليل العبقري الدكتور أحمد زويل، الذي كان لعلمه محل تقدير واحترام بين المتخصصين في مجاله، فهو قد عاش في كنف العلم، لم يلتفت إلى المعوقات التي واجهته في بداية حياته، فكان له ما أراد في النهاية. أجمل ما في عالمنا الجليل، أنه كان حريصًا أشد الحرص على نفع أهل بلده بعلمه هذا، فقام بإنشاء مدينة زويل للعلوم، ولم يبخل على طلاب المدينة بأي شيء، حتى بتواجده، فلم تمنعه ظروف سفره وانشغاله عن مشروع عمره، حلمه في تخريج المئات من العلماء أمثاله، فما واجهه وهو في عمرهم لم يَشأ أنْ يتعرضوا له من جديد. يقولون الحياة لن تقف عند أحد ولا على أحد، لكن عندما يتعلق الأمر بالعلم والعلماء، فيجب علينا جميعًا أن نعي فكرة «أنَّ الحياة تقف كثيرًا وكثيرًا جدًا عندهم، فهم لن يتكرروا ولن يعوضهم غيرهم، حتى وإن جاء من يُكمل ما بدؤوه، فهم سيظلون محفورين في الذاكرة أبد الدهر، وأعمالهم ستبقى صدقة جارية تنفعهم بعد مماتهم، مثلما نفعتنا نحن في حياتهم . رحم الله الفذ الذي لن يجود الزمان بمثله، وندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته ويغفر له ما تقدم من ذنبه، جزاءً لما قدمه للعالم أجمع من إسهاماتٍ علمية كبيرة، وبما خدم به أهل وطنه وعروبته لسنواتٍ طويلة ماضية، ولسنوات عديدة ستأتي، وجعل كل ذلك في ميزان حسناته، إنه على ذلك قدير. د. يسرا محمد سلامة