تلقيت خبر وفاة الأخ الصديق الدكتور عبدالله العسكر -رحمه الله- بالحزن والأسى فقد عرفته صديقا صدوقا وأخا عزيزا وباحثا منظما يبذل الجهد بإخلاص ويساعد من يعرف ومن لايعرف بقصد خدمة الآخرين. علاقتي به قديمة وأصبحت خاصة وتعززت على مدى السنوات الماضية. تعرفت عليه في لوس أنجلس أثناء الدراسة وكنت ألتقيه عندما كان يدرس الدكتوراه وأتناقش معه في قضايا علمية كثيرة منذ تلك الفترة المبكرة ووجدت فيه الأخ الناصح الذي يبرز رأيه دون مجاملة ويقدم المشورة دون انتظار لشكر أو امتنان. وعندما عدنا إلى المملكة الحبيبة وبدأت في أعمال دارة الملك عبدالعزيز اتصلت به ووجدته خير معين لأسترشد برأيه ومعاونته ووجدت فيه نعم المعين بالرأي والمقترحات. وكان لمرئياته الكثير من النتائج العلمية والثقافية التي قدمتها الدارة ومن أبرزها التاريخ الشفهي. وكان أيضا يكتب رأيه بصراحة إذا رأى المصلحة وأتذكر أنه في مؤتمر عام 1417ه كتب مقالة في "صحيفة الرياض" يقترح انضواء الجمعية التاريخية السعودية تحت إشراف دارة الملك عبدالعزيز حرصا منه على تطوير أعمالها؛ ولأنه أدرك مبكرا أن الدارة مقبلة على تطور غير مسبوق نتيجة لتشرفها بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- رئاسة مجلس إدارتها آنذاك. ورغم اقتراحه المهم هذا إلا أنه واجه نقدا من البعض الذين وقفوا ضد المقترح وبعد فترة تمنوا أنهم أيدوه. عندما كنت أتصل به وأستشيره في موضوع علمي تصلني رؤيته في وريقات مطبوعة وواضحة مما يجعلك ترتاح في التعامل مع أسلوبه في إيضاح فكرته ومسارها، وكان يسعد بالمناقشة ولا يتشدد في مرئياته بل كانت لديه مرونة فائقة في تقبل آراء الآخرين. أعجبني -رحمه الله- في نظرته الفلسفية لوضع الدراسات التاريخية في المملكة وحرصه على الشراكة مع بقية تخصصات العلوم الاجتماعية، بل اهتم أيضا باستخدام الإحصاء والتقنية في الدراسات التاريخية وطالب بالتوسع فيها. كما لفت نظري دراسته عن موضوع تحقيب التاريخ من منظور فلسفي وهو شيء يدعو للتأمل بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف، المهم أن هناك رؤى جديدة وحيوية كان يقدمها لإنعاش المدرسة التاريخية الحديثة لكي تأخذ منحى جديدا لعله ينشطها ويحفزها. ومن الأشياء التي يمكن الإشارة إليها انفتاحه على المستجدات في الرأي والفكر في نقاش الموضوعات العلمية والثقافية ويمكن أن نستشف ذلك في مقالاته الأسبوعية في صحيفة الرياض. أحبه جميع من تعامل معه نتيجة لصدقة وحرصه وبشاشته ومحبته لهم، ونتيجة لانفتاحه على الجميع فهذا يطلب رأيا، وذاك يطلب مرجعا، والآخر يطلب اقتراحا، وغيرهم يسأل عن معلومة. كانت علاقاته واسعة ودائرة محبته تزداد نتيجة لذلك. أتذكر أنه عندما كنا نشارك في موتمر دراسات الشرق الأوسط في واشنطن دي سي ومعنا الأخ الدكتور خالد الدخيل كان يهتم بالتفاصيل، وكان يعرف الكثيرين من الباحثين والأساتذة فلا نكاد نمضي داخل القاعات ولا تجده يستوقف أستاذا في إحدى الجامعات الأميركية ويناقشه وآخر في إحدى الجامعات الأوربية يستفسر عن شيء معين. رحمك الله أبا نايف وأسكنك فسيح الجنان، مكانك الخاص في القلب والنفس سيظل شاغرا؛ لأنه لن يجد من يملأه مثلما ملأته، وألهم أم نايف ونايف وجميع إخوانه وأخواته الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون * الأمين العام المكلف لدارة الملك عبالعزيز د. فهد بن عبدالله السماري