إن الهَوَس الايديولوجي هو المعضلة البشرية الفظيعة المزمنة بل هو الوباء الذي لا يكفُّ عن الانتشار، فإذا كان الطبيب اليهودي الحاقد قد فتَح النار على المصلين العُزَّل التزامًا بعقيدة قد استحوذت عليه فإن اليهودي المتعصب إيجال عامير قد أقدم لنفس السبب على اغتيال رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحاق رابين.. يعرف المتابعون المهتمون بأن باروخ جولدشتاين طبيبٌ يهوديٌّ صهيونيٌّ دَرَسَ علوم العصر وتخصَّص في مجالٍ معرفيٍّ ومهنيٍّ يمتاز نظريًّا بطابعه الإنساني الرفيع لأن مُهِمَّته هي حمايةُ حياةِ الناس وليس إزهاقها ولكن هذا الطبيب اليهودي تصرَّف بدوافع ثقافية عميقة عكس ذلك تمامًا فقد ضَحِّي بحياته ليقتُلَ جموعَ المصلين عشوائيا التزامًا بعقيدة متحجِّرة توارثَها أهلُه وأسلافُه منذ آلاف السنين وقد تَبرمَج بها هو تلقائيا في طفولته فباتت تحْكُمه وتتحَكَّم به ولم يكن هذا اليهودي بعقيدته العمياء المتحجرة سوى مثال لمئات الملايين من الناس في الغرب والشرق والشمال والجنوب وفي كل مكان يتبرمجون تلقائيا في طفولتهم بما هو سائد في بيئاتهم... إنه نموذجٌ صارخ على فاعلية التبرمُج التلقائي وضآلة تأثير التعلُّم الاضطراري فقد تَمَّ تعليمه مهنة الطب للإسهام في حماية حياة الناس لكنه يقرر بكل تصميم بأن يقتُل المصلين قتْلاً جماعيا غدرًا وهم غافلون ومستغرقون في صلاتهم ومع الدلالة البشعة لهذا الحدث العدواني الفظيع ومع أن الأحداث المماثلة تتوالى بشكل كثيف في كل مكان إلا أنها تمُرُّ من دون أن توقظ البشرية أو تحْملها على التوقف أمام هذه الظواهر العدوانية البشعة لتحديد مصادر ما تعانيه الإنسانية في كل مكان والبحث الجاد عن حلول قابلة للتنفيذ العملي على المستوى الإنساني كله... إن الهَوَس الايديولوجي هو المعضلة البشرية الفظيعة المزمنة بل هو الوباء الذي لا يكفُّ عن الانتشار، فإذا كان الطبيب اليهودي الحاقد قد فتَح النار على المصلين العُزَّل التزامًا بعقيدة قد استحوذت عليه فإن اليهودي المتعصب إيجال عامير قد أقدم لنفس السبب على اغتيال رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحاق رابين اعتمادا على فتوى بعض رجال الدين اليهود (الحاخامات) لأنهم يرون أن رابين قد خان إسرائيل بتوقيع الصلح مع مصر وما اتخذه من إجراءات تصالحية مع العرب فاستحق الاغتيال في نظرهم بينما على الطرف الآخر تم اغتيال السادات بوصفه خائنا للقضية الفلسطينية وليس رد الفعل المتماثل من طرفين متناقضين سوى التعبير الأعنف عن أيديولوجيتين متناقضتين مسيطرتين ليس على أفراد بل على الملايين تعتمدان حسم الخلافات بالعنف وقد عبَّرت ليا رابين عن ذلك بوضوح حين قالت (سيكون هناك دائماً إيجال عامير آخر) أي أن المعضلة ليست فردية وإنما هي أيديولوجيا وبائية... إن على قادة العالم مسؤوليات إنسانية متنوعة وعظيمة، فلقد نما عدد سكان الأرض نموًّا مفْرطًا وبرز التفاوت بين الأمم بروزًا بالغ الإثارة وتزايد عدد المأفونين الخطيرين بمقدار زيادة الكثافات السكانية المفرطة وتداخَل العالم فانتشر العنف انتشارا غير مسبوق لقد تطورت وسائل التدمير بشكل مفزع يتيح لفرد واحد مأفون أو لعدد محدود من الأفراد أن ينشروا الرعب دون حدود وأن يعكروا حياة الأمم فتفاقمت الشرور وتضاعفت المسؤوليات الفكرية والأخلاقية إن المهمة الأساسية أمام قادة الفكر والفعل في كل الدول القادرة والمنظمات الدولية المسؤولة في كل العالم هي العمل بشكل دولي منظَّم على تحرير العقل البشري من ركام الأوهام التاريخية التي تكبِّل عقول الأفراد والجماعات والأمم وفق استراتيجية ثقافية عالمية وهذا يتطلب إحداث تغييرات جذرية على المستوى العالمي في الإعلام والتعليم وكل وسائل التنشئة والتثقيف إن العالم غارقٌ في المعضلات الناجمة عن هذا الركام التاريخي المتفجر ولكن العالم في كل مكان ينشغل بمحاولة معالجة النتائج الفظيعة لهذا الإرث المتحجر من دون أن يحاول تشخيص مصادر الخلل المدمر بل إنه مازال يرعى مصادره ويُنَمِّي كلَّ ما يمكن تنميته من الروافد التي تُغذيه وكأن العالم مصرٌّ على تدمير نفسه... إن الواقع البشري ينطوي على مفارقة صارخة بين ما أنجزه من تطورات هائلة في الكثير من جوانب الحياة وبين عجزه الفاضح عن تصحيح تفكيره ومعالجة مشكلاته، فنحن غالبًا تخدعنا الإنجازات الحضارية الهائلة في المجالات العملية والمهنية وفي مجالات الوسائل والأدوات والتنظيم والمؤسسات والنُّظُم فنتوَهَّم أن البشرية أفرادًا ومجتمعاتٍ وأممًا قد قطعت مراحل متقدمة جدا من سلامة التفكير وعُمْق الإدراك وأنها قد تجاوزت التفكير البدائي التلقائي وأنها قد بلغت مستوى الرُّشد القائم على التحقُّق الموضوعي في كل أمورها وتبادل الاحترام في ما بينها ولكن بقراءةٍ فاحصةٍ للتاريخ الإنساني وبالتأمل العميق في ما يجري في العالم تنجلي الحقيقةُ المفزعة وهي أن البشرية في شكل عام مازالت من الناحية الفكرية والأخلاقية والعجز عن تبادل الفهم تعيش في مستوى بدائيٍّ سحيق غارق في التخلف والبؤس ... وأمام هذه المفارقة الصارخة بين التطور الحضاري المذهل في وسائل وأدوات الحياة مقابل التخلف الشديد لعموم الناس في الجوانب الفكرية والأخلاقية نجد أن تاريخ الحضارة يجيب على هذه المفارقة بأن يؤكد الحقائق التالية: * ان التطورات الحضارية المتحققة في كل المجالات قد تمخَّضَتْ عنها عقولُ عدد محدود جدا من الرواد الخارقين الذين تحرَّكوا عكس التيارات السائدة خلال التاريخ البشري كله، إنهم منذ طاليس وديمقريطيس وسقراط وأفلاطون وأرسطو واقليدس وأرخميدس ودافنشي وكوبرنيكوس وجاليليو ونيوتن ومارتن لوثر وديكارت وآينشتاين وأمثالهم من الأفراد الرواد الاستثنائيين وكلهم لو اجتمعوا لن يتجاوز عددُهم عدَدَ ركَّاب طائرة كبيرة أو عدد ركاب قطار كبير إنهم يمثلون نشازًا في الكثرة الهائلة من البشرية العمياء لكننا نغفل عن هذه الحقيقة الكبرى الصادمة ونتحدث عن أن الإنسان بطبيعته طَلْعةٌ يقظ وأنه متشوِّفٌ تلقائيا إلى أن يعرف بينما أن التاريخ البشري والواقع كليهما يؤكد العكس تمامًا، فالمندفعون خلال التاريخ البشري كله للاكتشاف والمشغوفون بالمعرفة والمستغرقون في محاولة الفهم الموضوعي العميق هم أفرادٌ معدودون وهم في نصاعة تفكيرهم ورفيع اهتمامهم وعُمق تركيزهم وفي النتائج التي يتوصلون إليها يكونون مغايرين تماما للأنساق الثقافية السائدة ... * ان الأفكار الريادية الخارقة في كل مراحل التاريخ قد جاءت كومضات خاطفة وسط ظلمات حالكة وكلها من دون أي استثناء قد قوبلتْ بالرفض والمقاومة وهو رفضٌ قد يمتد قرونا كما هي حالة اكتشاف أن الأرض ليست مركز الكون فقد بقي هذا الاكتشاف مطمورًا أكثر من ثمانية عشر قرنًا حتى أعاد الاكتشاف كوبرنيكوس ومع أن معظم الاكتشافات لا يمتد رفضها كل هذا الامتداد حيث تجد من يستقبلها بالقبول بعد تلكؤ قد يطول أو يقْصُر حسب الحالة الثقافية السائدة ولكن المؤكد أن الرفض يحصل دائما بشكل تلقائي أما القبول فلا يأتي إلا متأخرًا وقد لا يأتي أبدا كما في الثقافات الأشد انغلاقا وفي الكتاب الذي لم أنشره بعدُ بعنوان (الريادة والاستجابة) قَدَّمتُ شواهد متنوعة على ذلك من التاريخ والواقع ستكون كافية لمن يرغب في الاستبصار... * حين تَدخُل فكرةٌ رائدة أو حقيقةٌ علمية فارقة أو تنظيمٌ اجتماعي جديد متطور إلى ثقافة أي مجتمع فإنها لا تدخل عن طريق الفهم العام وإنما تصير جزءًا من ثقافة المجتمع بواسطة الممارسة والمعايشة والتكيف والتعود فعموم الناس في المجتمعات المزدهرة لا يدركون سبب أو أسباب ازدهارهم فهم محمولون في مركبة الازدهار من غير أن يعرفوا كيف تكوَّنت هذه المركبة الاجتماعية العامة وعلى سبيل المثال فإن الناس في كوريا الجنوبية يختلفون ثقافيًّا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عن إخوانهم في كوريا الشمالية اختلافا عظيما لكنهم قد تبرمجوا بهذا الاختلاف تبرمُجا تلقائيا بواسطة التكيف والتعود وليس بواسطة التفهُّم والإدراك فالأفراد في المجتمع كقطرات الماء في النهر الزاخر فلولا هذه القطرات لما كان النهر لكن لا أهمية لأية قطرة إلا بكونها ضمن النهر... * التعلُّم بمختلف مراحله والتخرُّج من الجامعات أو حتى إنهاء دراسات عليا في أي مجال هدفه تكوين المهنيين من الممرض إلى جراح القلب أو أستاذ الجامعة أو الباحث العلمي فكل هذه المسارات لا تدل على تطور نوعي للوعي الفردي، فالوعي النقدي الفاحص المنفصل عن تفكير القطيع لا علاقة له بالتعليم الجمعي بمختلف تخصصاته ومستوياته بل التعليم المقنَّن يكرس الوعي السائد... * تجسيد الأفكار الريادية الخارقة يرتبط باتجاه حركة المجتمع فإذا كانت حركة المجتمع باتجاه الازدهار فإن الأفواج الذين تخرجهم الجامعات والمعاهد يتولون تجسيد الرؤى والأفكار الريادية التي تقبَّلها المجتمع حيث يعمل كلُّ فرد في مجال اختصاصه، إن إنتاجهم يمثل قطرات الماء التي يتكوَّن منها نهر الازدهار ولكن نفس الأفراد الذين أسهموا في تشييد الازدهار في مجتمع تتجه حركته في اتجاه النمو لو عملوا في مجتمعات متخلفة فسوف يكون عملهم محكوما باتجاه حركة المجتمع وبذلك فقد يكون إسهامهم في تكريس الواقع وليس تغييره أي في تكريس التخلف واستحكام أركانه وإغلاق منافذ الرؤية فيه... إن استيعاب هذه الحقائق يجعلنا ندرك أن التعليم في أي مجتمع محكومٌ بالثقافة السائدة وليس حاكمًا لها وأن أفراد كل بيئة يتبرمجون بثقافتها تلقائيا فيبقون محكومين بها وتظل تتحكم بهم وتهيمن على اتجاههم وتفكيرهم ووجدانهم وتحدد قيمهم واهتماماتهم فهذا الطبيب الصهيوني الذي أقدم على قتل المصلين جماعيا وعشوائيا في الحرم الإبراهيمي قد ضحى بحياته وقَدَّم روحه التزامًا بما تبرمج به تلقائيا فالبرمجة التلقائية هي التي تحدد هوية الفرد حسب البيئة التي ينشأ فيها فالإنسان لا يولد بماهية أو هُوية محددة وإنما يتقولب تلقائيا في طفولته قبل بزوغ وعيه... إن كل إنسان يولد بقابليات فارغة مفتوحة مطواعة فيتشكل عقله ووجدانه بالأسبق إلى قابلياته ثم يظل هذا الأسبق يتحَكَّم به مهما نال من تعليم فهذا الأسبق يصير هو الذات عينُها وهو المعيار المهيمن لتقييم كل ما هو مغايرٌ له إن الفرد لا يفكر إلا من خلال هذا الأسبق فهو لا يرى أيَّ شيء إلا بواسطته فمن المحال أن يفكر المرء بتغيير ذاته إلا بهزة فكرية مزلزلة توقظه من سباته وتخرجه من غبطته الغافلة وتفصله عن التيار السائد وهي حالة لا تحصل إلا نادرا أما عموم الناس فيبقون مأسورين بما تبرمجوا به في طفولتهم فلا يرون الحياة والدنيا إلا من خلال هذا التبرمُج التلقائي... أما التعليم الذي يضطرون لقضاء ربع قرن وهم يكابدونه فيبقى محصورًا في المجال المهني والعملي فقط، وكما يقول الدكتور فاخر عاقل في كتابه (سيكولوجية الإدراك): (إن المعلومات المبدئية تكون إطارًا ومفتاحًا للمعلومات التالية وإذا كانت المعلومات التالية مخالفةً للمعلومات الأولى فإنها تُلوى لتناسب المعلومات المبدئية) إن الناس يجهلون عن أنفسهم هذه الحقيقة الأساسية مع أنها أهَمُّ من ركام الحقائق الجزئية التي تمتلئ بها أذهانهم ويهتم بها التعليم... إن هذه الحقيقة المحورية التي أكدها الدكتور فاخر عاقل قد باتت من الحقائق التي يكررها العلماء والباحثون فهذا الطبيب المشهور العالم ادوارد دي بونو يقول بوضوح في كتابه (تعليم التفكير): (تقوم المعلومةُ الأولى بتغيير حالة العقل بشكل يجعل المعلومةَ الثانية ترتبط بها أو توافقها وبهذه الطريقة يتم بناء الأنماط) ولأن الدماغ البشري لا يملك آلية للتحقُّق فإنه يعتمد المعلومات الأسبق كمعيار للحكم على المعلومات التالية مهما كانت الأولى خاطئة ولأن مسائل العلوم التي يتلقاها الدارسون في التعليم لا تأتي ولا يمكن أن تأتي إلا متأخرة أي بعد أن تكون البنيات الذهنية والوجدانية قد تَشَكَّلَتْ في مرحلة الطفولة المبكرة فإنه لا يكون لها أي تأثير إيجابي في تصحيح ما تبرمجت به القابليات بشكل تلقائي من دون أي تمحيص... يصوِّر هذه الحالة البائسة للإنسان فيتولد غومبروفيتش حيث يقول: (الإنسان يصاغ من خارجه وهو في جوهره ذاته دون أصالة. بما أنه ليس هو عينه أبدا بل هو لا شيء سوى شكل ينشأ بين الناس إنه ممثِّلٌ أبَديٌّ لكنه ممثِّلٌ طبيعيٌّ بحالته الإنسانية فالكائن الإنساني يعني كائنًا ممثِّلا). وهذه الرؤية الواقعية عن الإنسان قد صارت مألوفة لدى علماء الأعصاب وعلماء الانثروبولوجيا وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والمهتمين المتابعين، وكما يقول عالم الاجتماع كليفورد غيرتز في كتابه (تأويل الثقافات): (فالطفل يدخل العالم من دون فكرة مسبقة ومن دون ثقافة وتتشكل شخصيته وسلوكاته ومواقفه وقيمه ومعتقداته بالثقافة التي تحيط به من كل جانب. إن سيطرة الثقافة على المرء تبلغ من القوة حدًّا يجعله ينصاغ لأوامره ونواهيه حتى في ما يعاكس نوازعه الفطرية كما يمكن أن يَدفع الأثرُ الثقافيُّ المرءَ حتى إلى الانتحار وإنهاء حياته بما يناقض غريزة حب البقاء هَرَبًا من العار أو الخزي وهكذا نجد أن الثقافة تمارس أثرًا قويًّا في حياة المرء يفوق في شدته وحِدَّته حتى النوازع الفطرية)، فالإنسان كائنٌ ثقافي تلقائيٌّ يتبرمج تلقائيا بما هو سائدٌ في البيئة ويتكرر المشهد مع كل مولود ومع كل جيل في تناسلٍ ثقافي حتمي مستمر وكلهم على موعد حتمي مع البرمجة التلقائية بالجهل المركَّب فتتواصل الغبطة بهذا التوارث التلقائي المستحكم وبسبب ذلك بقي تأثير العلوم الممحصة محصورًا في الجوانب العملية والمهنية فتطورت الوسائل والأدوات والقدرات العملية تطورات هائلة لكن البشر بقوا بدائيين من الناحية الفكرية والأخلاقية حتى لتبدو الحضارة الشامخة المذهلة وكأنها إنتاجُ مخلوقاتٍ أخرى... إن من يتأمل أوضاع الأمم والشعوب يجد بأنها خلال القرون تتوارث تلقائيًّا ثقافاتها المتضادَّة بحتمية هي أشد من حتمية التناسل البيولوجي وأن التعليم الذي طرأ على أفرادها خلال العصر الحديث لم يغير شيئًا من هذه الحتمية الثقافية التلقائية الحادة الحاسمة، ليس هذا فقط بل إن الأقليات الثقافية المغمورة بثقافات مغايرة تظل تتوارث تلقائيّا ثقافاتها ومتمسكة بتصوراتها وقيمها وكامل إرثها الثقافي رغم كل المعاناة والتهميش والمذَلَّة وأعمال الإبادة المتكررة، فلقد عاش اليهود في بيئات شديدة الاختلاف فبقوا متمسكين بعقائدهم مصِرِّين على انتمائهم مؤكدين شدة انفصالهم عن البحار الثقافية المحيطة بهم لقد عاشوا في مختلف القارات كأقليات مبعثرة وسط الكاثوليك ووسط الارثوذكس والبروتستانت ووسط بيئات سنية وبيئات شيعية وعاشوا بين مختلف الطوائف وتعرضوا خلال القرون للإذلال والمضايقة ولكنهم لم يزدادوا إلا تمسكاً بعقائدهم، وليست هذه الظاهرة خاصة باليهود فالعالم مليء بالأقليات وأكثرها أو كلها قد عانت خلال مختلف العصور من الاضطهاد والإذلال وتكرار الإبادة الجماعية مثل طائفة اليزيدية ولكنهم بقوا صامدين قرونًا لكل المحن دون أن يخطر على بالهم أن يتحولوا عن ثقافتهم وقد نجد طائفة متحجرة التفكير وتُحرِّم كل شيء رغم أنها تعيش في أكثر المجتمعات انفتاحا كحالة طائفة الآمش التي تعيش في قلب أمريك فلو تَوَقَّفَتْ البشرية للتفكير في هذا الارتهان الايديولوجي لكان ذلك أهَمّ قرار عالمي... [email protected]