يروي ابن عساكر في تاريخ دمشق أن عبدالله بن عباس كان في المسجد الحرام وعنده ابن الأزرق وجمع من الخوارج يسألونه، فجاء عمر بن ربيعة فجلس فأقبل عليه ابن عباس وقال له: أنشدنا، فأنشد عمر قصيدته: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر. فأقبل ابن الأزرق على ابن عباس فقال: الله يا ابن عباس، إنا لنضرب إليك أكباد المطي من أقاصي الأرض لنسألك عَنِ الحلال والحرام، فتثاقل علينا، ويأتيك مترف من مترفي قريش فينشدك: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيخزى وأما بالعشي فيخسر فقال ابْن عباس: ليس هكذا قال، قال: فكيف قال؟ قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت في ضحى وأما بالعشي فيخصر قال: ما أراك إلا قد حفظت البيت، قال: نعم، وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتكها، قال: فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى جاء على آخرها. كان ابن عباس قد سئم من أسئلة ابن الأزرق، وقصته معروفة مع ابن عباس، فأراد أن ينصرف عن ابن الأزرق بشعر عمر، إلا أن ابن الأزرق أراد أن يعيب على عبدالله بن عباس بتحريف بيت عمر ابن ربيعة، إلا إن هذا التحريف لم ينطل على ابن عباس، فقد حفظ القصيدة كاملة. وكان ابن الأزرق، سواء عن عمد أو توهما، قد بدل الحروف، فيخصر صارت يخسر، ويضحى أصبحت يخزى. وفي القصيدة نفسها يقول عمر: وكان مجني دون من كنت أتقي/ ثلاث شخوص كاعبان ومعصرُ، يقول ابن سيده إنه روي بدل مجني نصيري، قال: وهو تصحيف. وفي الحالتين، وغيرها من الحالات الأخرى التي تتعدد الروايات للبيت الواحد لا يتبين بوضوح إن كان للتصحيف دور في بناء القصيدة أم لا، كأن يكون التصحيف أجمل من الأصل. وبحسب نظرية الانتحال التي تبناها طه حسين، فإن التصحيف أكثر دقة وخفاء من أن تكشفه تعدد الروايات. وكان حماد الراوية متهماً بتصرفه في ما يرويه من الشعر الجاهلي حتى قيل إنه أفسد الشعر. أما في العصر الحديث فقد يتبين دور المصادفة في صناعة الشعر من خلال الخطأ المطبعي وموقف الشاعر منه. فكما هو مذهب أوس بن حجر في صناعة الشعر، فإن الشاعر يختار ألفاظ قصيدته بعناية حتى يعيد النظر مراراً إلى أن يستقر رأيه على كلمة في بيت أو جملة في شطر. لكن المصادفة قد تحور كلمة بسبب خطأ مطبعي فيكون الخطأ أجمل عند الشاعر من الأصل. وإن كانت المرويات من هذا النوع من المصادفة قليلة في الشعر العربي الحديث، لكنها محفوظة عن الشعر الانجليزي، مثلا. فالشاعر الانجليزي أودن قد كتب في قصيدته رحلة إلى أيسلندا: وللبحر أسماء عند الشعراء، لكن عندما تسلم مسودة ديوانه من الناشر وجد إن كلمة الشعراء (poets) استبدلت نتيجة خطأ مطبعي بكلمة الموانئ (ports). فأصبحت الجملة هكذا: وللبحر أسماء عند الموانئ. كانت هذه المصادفة مهداة إلى الشاعر من خطأ مطبعي قبلها أودن بكل سرور. بهذا الخطأ المطبعي أصبحت الصورة الشعرية أكثر عمقا وتماسكا. يقول أوسكار وايلد: يمكن للشاعر أن يتحمل أي شيء إلا الخطأ المطبعي. إلا أن المصادفة قد تغلب الصناعة رغم الأناة والروية. فتكون نجاة الشاعر بالخطأ نفسه الذي ذمه وايلد. ربما كان دور المصادفة في صناعة الشعر العربي أخفى من صنعة حماد الراوية، فلا يشعر بها القارئ، بل ربما تخفى على الشاعر.