قرأت ما سطره الأستاذ علي محمد الحسون رئيس تحرير صحيفتنا المحبوبة (البلاد) بعنوان: المصححون والتصحيف، يوم الأربعاء 9 ذي القعدة 1430ه. وأشار في مقاله اللطيف إلى الخطأ الذي وقع في قصيدة الشاعر يحيى توفيق المنشورة يوم الجمعة، والتي ظهرت عناية التحرير بها لولا الخطأ الطباعي الذي كدّر متعة القارئ والشاعر معاً، وهو ورود كلمة (قصير) بدلاً من (مصير) في البيت (فإلى مصير واحد ندنو معاً / وتسير مسرعة بنا الآجال) وعنوان القصيدة (تهويمات العمر). والقصيدة مليئة بتجارب الحياة، والمعاناة من التعامل مع الناس، وهي تصنف في شعر الحكمة، وليست/ تهويمات!/ كما تواضع شاعرنا الكبير وسماها. ففي المقطع الأول لفت الشاعر أنظارنا إلى عدد من نعم الله علينا وهي لا تحصى، فذكر الشاعر نعمة الجاه والمال، والصحة والشباب، والعقل، وأشار إلى أهمية ما يتقن الإنسان من عمل، وقيام الحياة على الأحلام والآمال، ثم ختم المقطع بضرورة اقتران العمل بالقول قائلاً: (ما أرخص القول إن لم تتل أفعال). وأبيات الشاعر وحكمه مستقاة من القرآن والحديث وأدب التراث وتجارب الحياة فهو يذكرنا في أبياته الخمسة الأولى بمثل هذه النصوص: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" و"اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وشبابك قبل هرمك" أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وبالآية الكريمة (كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) أو (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم..) الآية. إذًا قرأنا حكمًا ثمينة لا تهويمات من خيال شاعر، والتي تذكرنا بالآية: (ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون) فشاعرنا من الذين استثناهم الله سبحانه في آخر آية الشعراء نحسبه كذلك (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا..) الآية. والقصيدة بعد مجال لقراءة أوسع، ودراسة أشمل، قد لا يوافق الدارس الشاعر في بعض ما ذهب إليه مطلقًا. وكنت من متابعي رباعياته التي كانت تزين الصفحة الأخيرة فغابت!! وأعود إلى أستاذنا رئيس التحرير لأعزيه فأقول (أحسن الله عزاءك في التصحيح يا أستاذنا) فقد اتسع الخرق على الراقع، ولم يعد الخطأ في اللغة نطقًا وكتابة مما يستنكر لدى طائفة كبيرة من الكُتَّاب والقراء، ليس استهانة بالخطأ، بل لأنهم لم يعودوا يميزون الصواب من الخطأ، لضعف تحصيلهم اللغوي، وانتشار الكتابة بالعامية سواء في صفحات الشعر الشعبي أو في لوحات الإعلانات، ومزاحمة الاستعمار اللغوي الأجنبي الذي بدأ يستوطن بلاد العربية أرضاً ولساناً مع الأسف الشديد، وكنا نقول: إن الجزيرة العربية سلمت من الاستعمار العسكري وآثاره، ولكن ضعفنا وتهاوننا فتح المجال للغته فبات يحتل مكانة مرموقة في العقول والقلوب، حتى صارت بعض المدارس الأهلية تدرس مواد الدين والاجتماعيات وأخشى أن تكون العربية أيضاً باللغة الإنجليزية! وأما ما ذكره أستاذي الكريم من تغير (مصير) إلى (قصير) فهو خطأ مطبعي غير متعمد سها عنه قلم المصحح أو زاغت عنه عينه في هذه القصيدة بالذات، لأن وجود التشكيل يدل على وجود المراقبة اللغوية حسب خبرتي في هذا المجال . إذ التصحيف قراءة خاطئة للكلمة بظن الصواب، وقد وقع في ضبط بعض الكلمات مثل (قولٌ بلا عَمَلٌ) فكلمة (عمل) مجرورة بحرف الجر، وقد ضبطت بتنوين الضم، و(لا) النافية لا تمنع عمل الباء فيما بعدها. وكلمة (مَعْرِضاً) ضبطت الميم بالفتحة وحقها الضم (مُعرضا) لأنه اسم فاعل من الفعل الرباعي (أعرض = مُعرض) مثل (أسلم = مُسلم)، وكلمة (محلَّقة) ضبطت بفتح اللام المشددة وحقها الكسر (محلِّقة) لأنها اسم فاعل من الفعل الرباعي المضعف عينه (حلَّق) مثل (قدَّم = مقدِّم) هذه الكلمات فيها تصحيف القراءة بالضبط الخاطئ. غير أن مقال رئيس التحرير وقع في مقتل رغم تخوفه من أن يقع التصحيف فيه، وأستطيع الجزم بأحد أمرين: إما أن مقاله لم يصحح كما يجب له التصحيح، وإما أن الأخ المصحح لا يعد أخطاء همزة القطع والوصل خطأ، وأعيذه من ذلك!! وإلا فبالله عليكم هل يعقل في زاوية لرئيس التحرير، كلماتها معدودة، وقوعُ واحد وثلاثين خطأ في همزة القطع رسمت وصلاً؟! بالإضافة إلى كلمة فيها خطأ نحوي يحتمل التصحيف فيها، وهي كلمة (يخلفوا)، في هذه الجملة من الفقرة الأخيرة: (فهل يخلفوا ظني في هذا) والصواب: (فهل يخلفون ظني..) فالفعل مرفوع بثبوت النون ولا داعي لحذفه إذ لم يسبقه عامل جزم أو نصب!! نعم!! لقد أخلفوا ظنك يا أستاذي! وأحسن الله عزاءك في التصحيح مرة أخرى!. وأرجو أن يجد هذا التعقيب صدراً رحباً من الإخوة في التحرير ليجد طريقه للنشر، فقد عودوني على العناية بما أرسله إليهم، وألا يعدوا ما قلته تحريضاً مني لرئيس التحرير أن يقسو قليلاً فإني أراه من لينه يعتصر!! شمس الدين درمش الرياض 0500031788