الوضع في بحر الصين الجنوبي وشمال آسيا يتعقد ويتصاعد أمنياً بشكل لافت فبعد إعلان سيئول وواشنطن عزمهما نشر منظومة صواريخ "ثاد"، جاء قرار محكمة لاهاي التي أعلنت فيه بأن لا سيادة صينية على بحر الصين الجنوبي، وكلا الأمرين أثارا غضب بكين التي نددت بهما ووصفت الأخير بالمهزلة. وفي واقع الأمر جاء نشر كوريا الجنوبية والولايات المتحدة منظومة "ثاد" الصاروخية الاعتراضية استجابة للتهديدات الخطرة التي تمارسها كوريا الشمالية بحق جارتها الجنوبية، وبحق الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء، فخلال هذا العام أجرت بيونغ يانغ عدة تجارب صاروخية "باليستية"، وكانت إحدى تجاربها قيامها للمرة الأولى بتجربة لتفجير قنبلة هيدروجينية في تطور خطير، على الرغم من عدم تأكيد تلك التجربة أو ربما فشلها إلا أن ذلك النبأ كان مثار انتقاد كبير من دول شمال شرق آسيا ومجلس الأمن الذين رأوا في ذلك تحدياً صارخاً للمجتمع الدولي، لكن تلك التجربة لحقها جملة من الإجراءات من طرف كوريا الجنوبية التي وجدت ألا مفر من توفر إجراء رادع لتلك الممارسات في ظل عجز المجتمع الدولي والدول الفاعلة في تلك المنطقة، وعلى رأسها الصين التي حافظت على سياسة التنديد والشجب، وهو ما استغلته واشنطن التي تحافظ على قواعد دائمة في كوريا الجنوبية ودفعت بطلب من الأخيرة بمنظومة "ثاد" القادرة على اعتراض أي صاروخ حتى خارج الغلاف الجوي وهو ما أثار حفيظة بكين التي رأت بأن ذلك يتخطى حاجة سيئول الدفاعية. هذه الخطوة الكورية قد تؤثر على العلاقات المزدهرة والإيجابية للغاية بين "تشي جين بينغ" و"بارك غيون هيه" وكلاهما بالمناسبة ابنين لزعيمين تاريخين في بلديهما، إلا أن الرئيسة الكورية التي وجدت نفسها وأمام هذه التحديات ملزمة بحماية أراضيها من مخاطر محدقة في ظل نظام أمني متوتر في تلك المنطقة التي تكتسب أهمية جيواستراتيجية، قالت إن خطوة نشر "ثاد" لا تستهدف بلداً ثالثاً عدا جارتها الشمالية. إن واشنطن تستفيد من سياستها الديناميكية في تنفيذ أجندتها واستراتيجيتها في الشرق الآسيوي مستغلة تيبّس السياسات الصينية وتراخيها في نفس الوقت تجاه كوريا الشمالية، وبسبب ذلك تعطي مسوغاً ومبرراً لواشنطن بممارسة نفوذ أكبر في "الباسفيك"، وبحر الصين الجنوبي الذي قد يكون قرار محكمة لاهاي منعطفاً مهماً في علاقات بكين بجيرانها.