استفادت إسرائيل من فوضى"الربيع العربي"، وأمعنت في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية، وتعدياتها على الأراضي بالتجريف والهدم والمصادرة، وأعطت بممارساتها تلك الضوء الأخضر لمتطرفي الصهاينة وأجهزتها الأمنية للقيام بالاعتداء على الفلسطينيين والقيام بممارسات إرهابية استنكرتها النخب الإسرائيلية نفسها. لم يكن "الربيع العربي" وحده هو ما استفادت منه إسرائيل بل حرائق إيران وأفعالها في المنطقة شجعت على استفحال الفوضى في تلك الدول، وبالتالي كما قلنا في مقال الأمس إن سياسات طهران وتدخلها في سورية والعراق أخرجت هاتين الدولتين من معادلة المنطقة، لقد قامت بتلك الخدمة على أحسن وجه، بإزالة أكبر جيشين عربيين من طريقها. خلال العشرة أيام الماضية شهدنا حدثين مهمين لا يمكن التغاضي عنهما أو المرور عليهما دون الانتباه إلى ما يمكن أن يفضيا إليه، والحدثان مرتبطان تقريباً ببعضهما وهما؛ عودة العلاقات بين تركيا ومصر مع إسرائيل، هذا التحول من قبل دولتين إقليميتين مهمتين يمنح عملية السلام في الشرق الأوسط ديناميكية كبيرة افتقدتها خلال الفترة الماضية، وكانت مبرراً ومسوغاً لإسرائيل للقيام بتعدياتها تحت جنح انصراف دول المنطقة لمشاكلها الداخلية، ولا يعني اليوم الذهاب إلى إنعاش هاتين الدولتين علاقتهما مع إسرائيل تجاوز الامتحان الداخلي لهما بقدر ما هو عودة إلى ممارسة دور ما كان يجب أن يتوقف في ظل الاضطرابات التي دارت رحاها على مدى خمس سنين ولم تنتهِ حتى الآن، كما أن إسرائيل نفسها تخشى من تداعيات سقوط النظام السوري الذي كان يشكل ضمانة لأمن جبهة الجولان وبروز الحركات الإرهابية ثم الاتفاقية النووية مع إيران، وعلى هذا الأساس قد ترى إسرائيل عودة العلاقات مع القاهرة وأنقرة فرصة لها للتغلب على نتائج "الربيع العربي" الذي رأته فرصة لها آنذاك للقفز على الاستحقاقات الفلسطينية، ومن هذا المنطلق يجب على مصر وتركيا أن تستغلا ذلك في سبيل دفع إسرائيل لقبول حل الدولتين وأن تعزيز أمنها يبدأ من قدرة حكومة نتانياهو فرض السلام وعدم توسل خطاب التطرف وحشو الحكومة بأعضاء من المعسكر الاستيطاني واستخدام فزاعة الإرهاب باعتبار تلك العناصر جالبةً للسلطة، لأن ذلك قد يلقي باستحقاقات سياسية وأمنية قد تقتلع نتانياهو من رأس الحكومة، وكثير من المنتسبين للجسم السياسي الإسرائيلي أو لمؤسسة الجيش وحتى أولئك من العامة الإسرائيليين لا يخفون استياءهم من أداء حكومتهم الحالية ما عزز من الانقسام الداخلي وأضعف من دولتهم، وبالتالي فالخطوة التركية والمصرية ليست لمصلحة هاتين الدولتين حصراً بقدر ما هي حاجة إسرائيلية أيضاً، وهنا تأتي الفرصة الحقيقية للقيام بنقلة قد تعيد للمنطقة شيئاً من توازنها.