من التجارب الفنية الجميلة والمميزة في رمضان لهذا العام، مسلسل "جراند أوتيل" فهو اقتباس لمسلسل أسباني شهير يحمل نفس الاسم أنتج عام 2011، وقد قام كاتب السيناريو "تامر حبيب" الذي سبق وأن كتب سيناريو الفيلم المصري الجميل "سهر الليالي"، باقتباسه، وبكل أمانة ووضوح وضع على شارة المسلسل "رؤية سيناريو وحوار: تامر حبيب" ولم يكتب تأليف حفاظاً على حقوق المسلسل الأصلي. وهو أمر ضروري يتغاضى عنه الكثير للأسف، وكأن الاقتباس هو أمر شائن أو تقليل من قيمة العمل الفني مع أن العكس هو الصحيح، فقد يكون التأليف في بعض الأحيان أسهل من الاقتباس، كما أن المسألة هي مسألة حق لا يجب التهاون فيها. وهناك الكثير من المسلسلات الأميركية التي أخذت عن أعمال أخرى ولم تؤثر في قيمتها الفنية على الإطلاق، فالمسلسل الأميركي "In Treatment"، على سبيل المثال، والذي نال العديد من الجوائز وحاز على إعجاب نقدي ونجاح جماهيري، مأخوذ من مسلسل آخر بعنوان "BeTipul"، حتى أن بعض حوارات المسلسل لم تكن أكثر من ترجمة لحوارات المسلسل الأصلي، ومع ذلك، فلازال يعتبر من المسلسلات المختلفة التي نجحت في أن تجعل من الحوار والأداء مادة ثرية للمشاهدة طوال مدة الحلقة. فالمهم في الاقتباس هو اختيار عمل جيد ذي شكل ومضمون مختلف أولاً، ثم العمل على ألا يبدو اقتباساً بأن تبدو شخصياته وقصته منتمية للمكان الذي تعرض فيه. وبناء على هذا، يمكن القول إن الكاتب تامر حبيب والمخرج محمد شاكر خضير قد نجحا في صنع عمل متقن وجميل وممتع ومختلف. بداية الاختلاف والتميز في العمل كانت من اختيار مكان وزمان جديدين على الشاشة الصغيرة، فرغم أن الزمان في المسلسل هو فترة الخمسينيات، إلا أن هذه الفترة كثيرة تم التطرق لها في المسلسلات من زاوية سياسية أكثر منها اجتماعية، ولكن "جراند أوتيل" تماماً عن الأجواء المعتادة. وقد ساهم في ذلك اختيار مدينة أسوان الجميلة كموضع للأحداث، وبشكل أدق فندق جميل جداً بها اسمه "Sofitel Legend old Cataract"، تم اختياره كموقع ل "جراند أوتيل".وهنا يبرز ذكاء الكاتب تامر حبيب، فالمسلسل الأسباني يتناول بدايات القرن العشرين أثناء حكم الملك ألفونسو الثالث عشر لأسبانيا، لكن الكاتب اختار زمناً ومكاناً مناسبين جداً لأحداث القصة في نسختها المصرية، كما أن المخرج محمد شاكر خضير قد استطاع أن يضفي جماليات للمكان بعنايته بالصورة لتخرج بشكل مبهر، فمن اهتمام بالديكورات والملابس والإضاءة والكادرات الجيدة تبدو الصورة حافلة بالثراء البصري. وتبدأ أحداث المسلسل باختفاء فتاة تعمل في الفندق اسمها ضحى، حيث يحضر أخوها "علي" -عمرو يوسف- لمدينة أسوان للبحث عنها، ويضطر للعمل في الفندق لمعرفة سر اختفاء أخته. معظم العاملين في الفندق يسكنون فيه لأنهم من خارج أسوان، كما أن بعض نزلاء الفندق ومنهم مالكته قسمت هانم -أنوشكا- وابنتاها نازلي -أمينة خليل- وآمال -ندا موسى- وزوج ابنتها إحسان -محمد حاتم- ومدير الفندق وقريبهم مراد حفظي -أحمد داود- يسكنون فيه أيضاً بشكل دائم. أحداث المسلسل متلاحقة وهناك العديد من الأسرار التي تنكشف واحدة تلو الأخرى مع تقدم الحلقات، ولكن المسلسل يحافظ على إيقاع جيد بقصصه المتداخلة وأحداثه الكثيرة. أما على مستوى الأداء، فمن مميزات العمل البطولة الجماعية، حيث لا يوجد تركيز كبير على شخصية بعينها وقد كان اختيار طاقم العمل موفقاً جداً. ومن الأداءات المميزة في المسلسل أداء أنوشكا التي عرفت عن نفسها في رمضان لهذا العام كممثلة بدور يجعلنا نتوقع أن يتكرر ظهورها في الأعوام المقبلة، كما يبرز بلا شك الممثل الشاب محمد ممدوح والذي قام بدور أمين العامل في الفندق وابن رئيسة الخدم سكينة -سوسن بدر-، فقد أبدع في أداء دور الشاب المسكين الطيب بتعابير وجهه الساذجة وطريقة كلامه وكان مقنعاً جداً بدوره. كما تميز العمل بصرياً بأجواء تضفي طابعا خاصا على الفترة الزمنية التي يتناولها المسلسل من صور الأبيض والأسود وطبيعة الألوان، وكان للموسيقى التصويرية التي ألفها أمين أبو حافة أثرها في خلق طابع خاص، وإن عاب المسلسل كما في كثير من المسلسلات العربية الأخرى كثرة استخدام الموسيقى التصويرية وخاصة في مشاهد الحوارات، مما يؤثر على أثرها، رغم أن الكثير من حوارات المسلسل جميلة ومكتوبة بعناية. يؤكد المسلسل وطاقمه أن الاقتباس عندما يوظف بشكل جيد وفني، ويتم العناية فيه بكل التفاصيل الخاصة بالعمل، يمكن أن يكون ممتعاً وملهماً وإضافة لكل العاملين به وليس العكس، فالاقتباس الفني الواعي هو فن بحد ذاته وهو ما أجاده صناع هذا المسلسل. أبطال المسلسل