في البداية يجب أن أعترف أنني مازلت أعاني من صعوبة التفريق بين كثير من المصطلحات النفسية. ولايعود السبب هنا إلى قلة المراجع أو ضعف الفهم (لاقدر الله) بل إلى تداخل العديد من هذه المصطلحات واستعمالها من قبل المختصين بطرق مختلفة.. فعلى سبيل المثال هناك فرق بين «المرض النفسي» و«المرض العقلي» ومع ذلك يمكن وضع الجميع تحت مظلة الأمراض العقلية أو ال Illness Mental (كما سنرى لاحقاً).. أما إذا توخينا الدقة فنجد أن المرض العقلي يظهر نتيجة لأسباب عضوية تصيب أنسجة الدماغ - نتيجة لعاهات خلقية أو أمراض مؤثرة كالزهري وتصلب الشرايين أو حتى استعمال المخدرات. وفي المقابل قد تبقى وظائف العقل سليمة من الناحية العضوية ولكن يصاب المرء ب «المرض النفسي» نتيجة لتضارب عوامل وظروف شخصية واجتماعية مختلفة..!! .. أيضاً هناك فرق بين «المرض النفسي» و«العرض النفسي» ومع ذلك قد يكون «العرض» حالة متقدمة (وزايدة عن حالها) بحيث تتحول لمرض.. فالعرض النفسي - كما يشير اسمه - حالة طبيعية ومتوقعة تصيب جميع الناس؛ فالقلق والتوتر الإرهاق العصبي حالات نمر بها كلنا وبشكل يومي تقريبا (وبناء عليه يمكن القول أن 100٪ من أي شعب يعاني من العوارض النفسية المختلفة). أما الأمراض النفسية فحالة متقدمة ومزمنة بحيث تؤثر على شخصية ونظرة الفرد لنفسه ومجتمعه (وتقدر بنسبة 30٪ إلى 40٪ من أي شعب).. ويعد الاكتئاب من أكثر المشاكل النفسية انتشاراً بين الناس كونه يقدر (كعرض) بنسبة 30٪ و(كمرض) بنسبة 15٪ من كل شعب! .. وأذكر أنني قرأت في صحيفة الواشنطن بوست (في 7 يونيو 2005) إحصائية عجيبة تثبت أن ربع الشعب الأمريكي يعاني من اضطرابات نفسية وأمراض عقلية مختلفة.. وربع هؤلاء تعد حالتهم «سيئة» ويحتاجون إلى متابعة منتظمة لدى طبيب نفسي متخصص - وبهذه النسبة يحتل الشعب الأمريكي «المركز الأول» بين شعوب العالم في معدل انتشار الأمراض العقلية والنفسية!! وهذا (الكلام) ليس من قبيل «الشماتة» بل حقيقة دولية نشرت كإحصائية في عدد يونيو من المجلة الطبية الأمريكية (Journal of the American Medical). وهذه الإحصائية الدولية نظمت أساساً لبحث نسبة انتشار الأمراض العقلية في 28 دولة مختلفة حول العالم. ورغم أن عنوان الدراسة تحدث عن انتشار الأمراض العقلية (أو Illness Mental) بين شعوب العالم إلا أن قراءة الدراسة بالتفصيل يشير إلى أنها تجمع كافة الأمراض النفسية التي يمكن ملاحظتها بين عامة الناس (خارج العيادات والمستشفيات المتخصصة)!! .. وفكرة عمل إحصائية دولية بخصوص الأمراض العقلية أمر تمت تجربته منذ أربعينيات القرن العشرين. وتعد الإحصائية الأخيرة (التي لم تنته بعد) أدق وأطول دراسة من نوعها في العالم - حيث تستغرق عشرة سنوات (بدءاً من عام 2001) وتكلف أكثر من 100 مليون دولار وتمونها منظمة الصحة العالمية وعدد من الجهات الحكومية والأهلية. وحتى الآن اتضح أن 26,4٪ من المواطنين الأمريكيين يعانون من مشاكل عقلية ونفسية مقابل 8,2٪ في إيطاليا و4,3٪ في شينغاهاي الصينة مثلاً.. وإلى الآن تم الالتقاء بأكثر من 60 ألف مواطن في 14 دولة اختيروا بطريقة عشوائية ضمن فئات عمرية ومهنية مختلفة. وتأمل الدراسة أن تلتقي في النهاية ب 200 ألف مواطن في 28 دولة حول العالم سيتم البحث فيها تباعاً - حيث يتم البدء بالبرازيل وبلغاريا بعد نشر هذه المعلومات!! - بقيت ملاحظة بسيطة (من غير المستحسن كبتها): ... حين تثبت دراسة عالمية كهذه إصابة ربع الأمريكان بمشاكل نفسية أو عقلية.. وحين نعلم أن البيت الأبيض يضم أكثر من مائتي موظف ومستشار للرئيس بوش وحده (!) ألا يعطينا هذا فكرة عن «المكان» الذي يضم أكبر عدد من المجانين في العالم!! [email protected]