شدت انتباهي هذه العبارات للأستاذ جهاد فاضل.. «إن الجمهور يصفق له مهما قال حتى ولو قال شعراً في هذا الجمهور لا يقوله فيه إلا يهودي. كنت إذا سمعت تصفيق الجمهور لقصائد يلقيها وموضوعها هجاء العرب في أصولهم ومقومات شخصياتهم وموروثاتهم وكأنهم يبولون على أنفسهم كالماشية أعجب لهذا الجمهور كيف يصفق لشاعر يهجوه ويشتمه». هذه العبارات وردت ضمن نص كتاب للأستاذ جهاد فاضل عن الشاعر المرحوم نزار قباني.. ويضيف عن علاقته بالمرأة وكيف أنه كان أكثر من «عرّاها» وتعامل معها كجسد فقط بشكل مهين للغاية.. ما أضيفه هنا هو أن المرأة أيضاً مثل الجمهور كلما أوغل في تعريتها وإغفال التعامل مع عقلها أو كرامتها ازدادت به شغفاً، حتى أن معجباته من النساء أكثر من معجبيه الرجال، ويقول عن نفسه إن كل فتاة جميلة تنام وتحت وسادتها قصيدة له.. لماذا نتوقف عند نزار قباني فقط فهو ليس وحده الذي كلما أكثر لسع السياط على الجسد رجلاً كان أو امرأة تصاعد الهياج إعجاباً به.. هنا أتحدث عن جمهور ونساء.. أما شاعريته فهي في قمة الإبداع حتى أن من عاصروه خرج معظمهم من عباءته.. الجمهور، رجالاً ونساء، يبدو أنهم مولعون بالهياج.. بجلد الذات.. في السياسة هل خرج العرب خلف الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يوسعون مساحة وحدة بدأها بدولته.. هل قلد أبناء الشام المرحوم الشيخ زايد بن نهيان فجمعوا بين دويلاته في عمل تطوعي سلمي..؟ هل فعل ذلك أبناء دول المغرب العربي..؟ عندما حكم عبدالناصر مصر ملغياً الحزبية وتعدد الانتماءات في البرلمان وعرف الناس زوار الفجر والمساحات الشاسعة للسجون كان العرب يملأون الشوارع بمظاهرات التأييد.. عبدالكريم قاسم.. كان اشبه بانقلابي على سجان مع ضباطه الأحرار عندما امتلأت شوارع بغداد ومدن العراق بالقتلة ومحترفي السحل وهتافات «كريم كريم للأمام ديموقراطية وسلام».. بل نحن الآن نوشك أن نعتقد بضرورة البحث عن صدام آخر حتى ينهي نشاط منظمات القتل والخطف في العراق.. مصيبة العالم العربي أنه لا يكتفي بالتوقف عن السير نحو الأمام ولكنه يجذر لعاهات تؤسس بتشرذمه وتباعد انتماءاته.. هل من المعقول.. أن الأمة التي قادها رجل كردي كي تحرر القدس في زمن سابق هي أخوف ما تكون الآن من أن ينفصل عنها تجمع كردي أو يتحالف ضدها مع آخر.. الأمة التي استبدلت فيها مصر المذهب السني بآخر شيعي ثم سني دون اقتتال طائفي هي الآن مهددة بحروب طائفية تطل من العراق ومن لبنان.. لقد تراجع الوعي بالولاء الإسلامي فأصبحت العرقية تباعد بين مسلمين، ووظفت الطائفية سياسياً كي تقسم الأمة إلى عداوتين.. العالم الخارجي يتقدم ويتفرج.