بعض من يفترشون الشوارع في الحج ويغلقون الطرقات، ويتنقلون بأمتعة تتجاوز مئات بل آلاف الأطنان من مكان إلى آخر هم من لا يحملون إقامة نظامية، حضروا إلى البلد بتأشيرة عمرة ثم انتهت التأشيرة، وبقوا هم، رافضين العودة، متنقلين من مكان إلى آخر حتى يأتي موسم الحج، فيذهبون، ويمارسون شعائرهم كاملة، دون مضايقة، ومع انتهاء الموسم، يذوبون بعدها داخل مدن وقرى، تحتويهم دون قصد، أو اهتمام، سوى لا نريد أن نقطع رزق إنسان مسخر له أن يعيش. ولكن كيف يعيشون؟ منذ أيام نشرت جريدة عكاظ خبراً عن وافدين قدما بتأشيرة عمرة في رمضان الماضي، ثم تخلفا حتى موسم هذا الحج من أجل جمع أكبر قدر من المال أما كيف يجمع المال فالغاية تبرر الوسيلة، والمغفلون كثيرون، والرزق متوفر، فقط يحتاج إلى أفكار. اتفق الاثنان على ان قرب موسم الحج دافع قوي لاقتراب الرزق بل الإمساك به، والحجاج أكثر الناس تأثراً في المشاعر، والمشاركة في أي عمل خيري، وإن لم يكن موجوداً أصلاً. فاتفقا على (غار حراء) الذي يحرص كثير من الحجاج على زيارته. ترددا عليه عدة مرات ورسما خرائط توضيحية لموقعه، وابتدعا مشروعاً خيرياً لعمل درج يساعد الحجاج على بلوغ قمة الجبل حيث الغار في يسر وسهولة. وقاما بشراء كيسين من الأسمنت، وكمية من الطوب، وشرعا في بناء الدرج وانجزا خمس درجات كبداية للمشروع كانت كافية لإقناع الحجاج بالمشاركة في دعم هذا العمل الخيري (الوهمي). ثم أقاما كوخاً خشبياً أسفل الجبل لإقامتهما، وما ان يسمعا خطوات حجاج قادمين حتى يخرجا إليهم، ويبدآ بشرح الفكرة مستعينين بالخرائط التوضيحية التي اعداها مسبقا، ولا يتركان الحاج إلا وقد دس يده في محفظته، واخرج منها ما تجود به نفسه ابتغاء مرضاة الله وأجره. هذا الحلم المتحقق بسهولة، والراكض نحو الأمام، والمعتمد على بساطة الحجاج اصطدم بمواطن يقظ استوقفه المشهد فأبلغ الجهات الأمنية التي قبضت عليهما، وكان اللافت للنظر ان بحوزتهما ثلاثة آلاف ريال وأكرر (ثلاثة آلاف ريال) هي حصيلة الساعات الأولى من صباح الثامن من ذي الحجة. هذه الحادثة التي ستنتهي بترحيل أمثال كل هؤلاء بعد محاكمتهم بتهمة النصب وبطريقة سهلة جداً بعيداً عن البنوك والهوامير، كم من المبالغ تحصلوا عليها في الأيام الماضية؟ حتى وان سجنوا، فسيعتبر ما تحصلوا عليه كافياً بعد ذلك لعيشة كريمة تأنى من تساهل أفراد هذا الشعب، وعدم فطنتهم لأذكياء مثل هؤلاء، يدفعون ثمن تذكرة العمرة للقدوم، ومن ثم التفكير المنفذ في تعويض ثمن هذه التذكرة عشرات المرات. يريد هؤلاء العيش، وليس هناك طرق سوى النصب والضحك على الآخرين في ظل عدم اهتمام بالآخرين، بملايين الوافدين الذين يقيمون بيننا بعادات، وتقاليد مختلفة، بظروف نفسية مختلفة، سلوكيات ايضاً مختلفة، بأحلام وأفكار لابد من تنفيذها طالما وصلوا إلى هذه البلاد. لا يمكن ان يعودو دون تحقيق هذه الأحلام مهما كانت صعوبتها أو العراقيل التي تصطدم بها. يحضرون للعمرة، ويبقون، وكثير منهم لا يجيد أي مهنة حقيقية، ولا يمتلك إقامة نظامية، ومع ذلك يعملون داخل اطار تستري من آخرين، يتسولون من أجل المال. يمارسون السرقة المنزلية، وسرقة السيارات. يشعوذون، ومما أكثرهم، وهنا تظل قضية الشعوذة مرتبطة بمن يذهب إليهم، ويثبت أقدامهم هنا ممن يعتقدون أن طريق الحياة لن يكون ميسراً إلا بالجن والعفاريت والسحر. نحن أمام مشكلة كبيرة ندفع ثمنها من الدخول من بوابة الحج والعمرة ولا نملك سوى أن تكون الاجراءات المشددة أكبر وأقوى، من خلال إلزام الشركات الخاصة بالحج والعمرة، بترحيل وإعادة العدد الذي أحضرته، أو أن يكون هناك كفيل لمن لا يرتبط بشركة حج أو عمرة يتكفل بإعادته إلى بلده. وان يطبق نظام البصمة تطبيقاً كاملاً لمنع المجرمين والنصابين، ومن سبق ترحيلهم من هنا بتهم وجرائم، حتى لا يصبح هذا البلد مفتوحاً على مصراعيه لتلقي ثقافات لن يظهر تأثيرها إلا بعد عشرين عاماً.