في صباح يوم عيد الأضحى المبارك وبينما الناس متوجهون من مزدلفة إلى منى وفوق جسر الملك فيصل - رحمه الله - كانت السيارات تترى والزحام يشتد والسيارات تتحرك فوقه وكأن كل واحدة مربوطة بالأخرى وكل مسار يكاد يحتك بالمسار الآخر وفي كل اتجاه ستة أو سبعة مسارات مشهد عظيم وزحام شديد ومنظر لا يمكن أن يحدث في أي مكان في العالم وكنت في واحدة من تلك السيارات الزاحفة وفجأة اشتعل حريق في سيارة جمس صالون على بعد أمتار من أمامنا ونزل ركابها على عجل وتسابقنا معهم نبحث عن طفايات الحريق من السيارات الأخرى ولكن كان الحريق أسرع وازداد احتراق السيارة وخاف الحجاج من اتساع الحريق وانتقاله للسيارات الأخرى وساد الهلع وصار الحجاج ما بين محوقل باق في سيارته وآخر يلتمس المهرب وأنى له ذلك. فالجسر مرتفع ارتفاعاً يزيد على ثلاثة أو أربعة أدوار والسيارات بالمئات متراصة وحاول كل سائق أن يرجع بسيارته إلى الخلف ولكن كيف!؟ وقفز أحد السائقين من حافلته وهم بالهروب فأوقفناه ورجوناه أن يبقى ليحرك سيارته ولو بضعة أمتار ولكنه صار يصرخ النار النار أخشى ان تصل لسيارتي وهي ملأى بالوقود وربما تنفجر وبتنا ندعو الله ونسأله النجاة وكانت لحظات صعبة. وبينما كنا في حيرة من الأمر إذ بالطائرة تحلق ورجال الدفاع المدني وصقوره البواسل يهبون من كل ناحية فهؤلاء راجلة يجرون وآخرون فوق الدراجات النارية يسرعون وتلك سيارات الدفاع المدني المليئة بالمياه تحاول الوصول من كل ناحية وتتحدى المستحيل حتى استطاع صقران من أولئك السائقين الصعود من احدى نزلات الجسر القريبة من الحادث وعكس المسار والتعرض للخطر والوصول خلال ربع ساعة أو أقل وباشروا رش السيارة التي أتت عليها النار بالكامل وسلم الله الحجاج. ولقد عجبت ومن حولي من الحجاج كيف استطاع أولئك الرجال الوصول بهذه السرعة واستقبل حاج جزائري القبلة وصار يدعو بصوت مؤثر وبات من حوله يؤمنون وراءه ولازلت أحفظ من دعائه قوله: اللهم نج رجال الدفاع المدني من الأخطار كما نجونا اللهم احفظ هذه البلاد وبارك لها اللهم صُنها من كل سوء وادفع عنها كل بلاء. ثم أخذ يتساءل ما أروع هؤلاء الرجال وأصدقهم ما أشجعهم واجرأهم. وبصفتي سعودي فقد شعرت في تلك اللحظات بالخوف والزهو وبالوجل والنشوة نعم شعرت بالخوف من الحريق وبالزهو برجال الدفاع المدني وبالوجل من الحادث والنشوة باخواني أولئك الفرسان. فلكم أيها الأحبة على البعد خالص الدعاء ولكم على القرب عظيم الإكبار، وتأملت في هذا الحادث العارض فيما لو تكرر - لا سمح الله - ولم يستطع رجال الدفاع المدني الوصول وانتقال الحريق للسيارات الملاصقة هل توضع على الجسور سلالم نجاة وهل تمدد فوق الجسور شبكات مياه للحرائق وهل توفر طائرات صغيرة تستطيع المبادرة واطفاء مثل تلك الحوادث انه موقف يجب أخذه في الحسبان. ٭ عضو مجلس الشورى