عندما تتساقط الأوراق كل شهر... وعندما تهب الرياح عكس أمواج البحر... وتعوم العصافير الصغيرة في أعماق النهر... وتغرد الأسماك على أغصان الشجر... تتيقن أنه ... تغير كل شيء، وتغيرت ملامح الدهر. لمن نشتكي...؟ أو لمن نبكي...؟ فالمذلة لغير الله قهر.. سبحانك الله ندعوك يا إلهي... فمن غيرك رحيماً بالبشر. - بدأت هذه القصة بهذه المقدمة البسيطة الذي أجبرني قلمي على كتابتها، برغم أن قلمي متهالك من سنوات فقد فاض الكيل وجف الحبر واختنقت الدموع في العيون والمشاعر في القلب. - معلم (كان) يعيش في مدينة أبها بين أفراد أسرته وهو الذي يعولهم بكل سعادة وفخر، بشهامة رجال الجنوب وشموخ جبالها.. وطبيعة جوها. فشاءت الظروف أن يصاب الأب بمرض السرطان (أجارنا الله وإياكم منه) وبعد التحاليل والتقارير والعلاج، تم تحويل الأب إلى مستشفى التخصصي بالرياض فشفاؤه الوحيد بعد عناية الله له في هذا المستشفى. فطلب هذا المعلم أن ينتقل لمدينة الرياض لكي يكون باراً بهذا الأب وقريبا له في محنته، فقبل طلب نقله بدون أن يضع أي مسببات لهذا النقل... ففرح كثيراً وشكر الله سبحانه وتعالى لتحقيق أمنيته ومرافقة والده في رحلة علاجه، فحمل والده إلى المستشفى التخصصي، وبعد أسبوع من المراجعات والعلاج.. قرر المستشفى بأن الأب حالته ميئوس منها ويجب أن يستمر في العلاج في منزله وليس له حاجة بالمستشفى.. فعاد هذا المعلم بوالده إلى مدينة أبها فعاش في صراع فهو المسئول الوحيد على هذا الأب وباقي أفراد أسرته.. وهو الآن في مدينة وهم في مدينة أخرى.. فطلب عدولا عن النقل قبل مباشرة المدرسين فرفض طلبه... وبعد المباشرة حمل حقائبه متجها إلى الرياض مقر عمله الجديد وأكل عيشه هو وأسرته... راضين بما كتب الله له.. فتتطلب منه هذا الوضع بأن يذهب كل يوم أربعاء إلى أفراد أسرته للاطمئنان عليهم وقضاء حوائجهم ثم يعود يوم الجمعة في كل أسبوع. فعندما يتحدث لي هذا المعلم لا يشكو شكوة المظلوم أو حيرة الحيران.. ولكن أحسست أن بين كلماته أحزانا وأحزانا... يريد أن يبقى مع والده في أيامه الأخيرة ويكمل مسيرته مع أسرته الصغيرة... وفي نهاية كل حديث معه يقول: هذا ما كتبه الله لي وأنا راض به. فقلت له لا بد من الأخذ بالأسباب.. وأخبرته أن هناك لجنة في وزارة التربية والتعليم اسمها (لجنة الظروف الخاصة) وأن من أعمالها مراعاة أمثالك فظروفك تجب أن تراعى من هذه اللجنة وسوف تنتقل بين أفراد أسرتك لكي تكمل ما بدأت مع أسرتك. شاع نور الأمل في عينيه.. (وأول مرة أشاهد أسنانه البيضاء) لقوة ابتسامته وشدة فرحته... وقال: هل هناك أمل؟؟؟ هل سوف أكون بين أفراد أسرتي؟؟ هل سوف ألاعب أخي الصغير؟ هل سوف أقبل جبين أمي وأبي بعد كل صلاة...؟؟ فقلت له: على رسلك... فأنت صاحب حق وبار بوالديك فإذا كان ما تريد فهذا أجرك بالدنيا وإن لم يكن فالله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده... فرحمته واسعة. وبدأ مشوار الألف ميل... فكتب قصته من الألف إلى الياء.. وأرفق جميع التقارير الطبية طالباً النظر لظروفه ونقله لمقر عمله القديم.. فكان متميزاً هنا وهناك برغم جميع الظروف... ولكن كما قلت مشوار الألف ميل أصبح صعبا الوصول إليه لأنه تلاشى وصار سرابا عبر الطريق كلما أردت الوصول له تلاشى وبدأ من جديد. ماذا قالت له؟ (لجنة الظروف الخاصة) قالت له: اذا مات أبوك سوف تنطبق عليك الشروط وسوف يتم نقلك!!! منطق غريب وعجيب!!! سوف يطول الحديث لو تكلمنا عن التفاصيل.. (فالكتاب واضح من العنوان). وفي الختام وباختصار... أناشد كل مسئول.. بل كل رجل تعليم أن يعيش لحظات قليلة ويتقمص هذه الشخصية، ويطلب ما يجب أن يمليه عليه الضمير والمنطق.. (فالقانون والنظام) وجد ليكون في خدمة الشعب وحفظ حقوقهم وهذا لا يتعارض اطلاقاً مع معلمنا الفاضل، فما هي المشكلة؟... وأين المشكلة؟.. التي تراها لجنة الظروف الخاصة.. ٭ معلم تربوي