هناك من الأخوة الأعزاء الذين نكن لهم كل محبة وتقديراً واحتراماً، ولكنهم يبالغون أشد مبالغة في إبعاد المرأة عن الرجل حتى لوكان في ذلك هلاكها، مخالفين بذلك التعاليم الإسلامية السمحة وواقع الحياة وحقائقها التي تؤكد صدق مقولة أن كل شيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، ومثال ذلك ما حدث حيث رفض ذلك الرجل أن يقوم طبيب النساء والولادة بتوليد زوجته وأقسم أغلظ الإيمان أن موتها أحب إليه من أن يولدها رجل. وحين حاول الطبيب تهدئة الزوج وقال معتذراً أن الطبيبة تتمتع بإجازتها الرسمية، وأن الطبيبة الأخرى تستقبل المعزين بوفاة والدها، وأنها ضرورة والضرورات تبيح ماترى انه من المحظورات، أعلن الزوج انه سينقل زوجته لمستشفى آخر حتى لوكان ذلك في محافظة أخرى، لم تفلح محاولات الطبيب لثني الزوج عن ماعزم عليه، الزوجة الضعيفة تتألم وتئن أنيناً يسمعه من هم بآخر المحافظة، أتى الطبيب مرة أخرى راجياً الزوج السماح له بالتدخل لأن الوقت ينفد ولمعرفة الطبيب بأن اقرب مستشفى يبعد عن هذه المحافظة أكثر من 150 كيلو، وفي هذا خطر جسيم على الأم وجنينها، وأيضا ليس بالضرورة أن يتواجد بتلك المحافظة طبيبة نساء وولادة. أصر الزوج على تنفيذ ما عقد العزم عليه، ووضع زوجته في المرتبة الخلفية للسيارة، أدار محرك السيارة معلناً بداية الرحلة الشاقة، أما زوجته التي يشفق عليها حين يسمع أنينها من قلبه من حجر، فقد أصبحت تردد اسم زوجها كنية ولقباً تستغيث وتستجدي شهامته راجية أن يرحمها ويعود أدراجه. ولكن هيهات إنها القسوة والعناد، واصل الزوج المسير، وفي منتصف الطريق أيقنت هذه الزوجة المسكينة انه الفراق لاسيما وولاداتها السابقة كانت جد عسيرة مع وجود طاقم طبي، فكيف سيكون الحال مع إنسان جامد وصحراء قاحلة. أحست الزوجة بدنو أجلها فقالت بصوت مخنوق متحشرج موصية ابنها ابن العاشرة الذي كان مرافقا لهما على ابنتها شهد ذات العام والنصف وعلى أبنائها الصغار المتواجدين في البيت، ثم قالت لزوجها قاسي القلب وهي تتجرع سكرات الموت، قسوت على امرأة ضعيفة لاحول لها ولاقوة، قسوت علي في حياتي ولم ترحمني حتى وأنا في سكرات الموت، حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم جائر، ثم أسلمت الروح لباريها. جن جنون هذا الزوج فلم يعد يدري ماذا يفعل، لقد قطع نصف الطريق، إدرك الآن سوء المنقلب، التفت إلى ابنه محذراً من إفشاء ماحدث، ولكن المفاجأة التي لم يتوقعها الأب حدثت في مجلس العزاء حين أجهش ابن العاشرة بالبكاء، فلم يعد قادراً هذا الطفل اليتيم على الصمت المفروض عليه فرضاً وقد رأي بأم عينيه وسمع بكلتا أذنيه كل التفاصيل، فأشار بيده نحو أبيه قائلاً: أنت نعم أنت من قتل امي وسرد تفاصيل ماحدث، بكى الجميع تحسراً وألماً على واقع بعض إخواننا الذين يحرصون على أشياء دون غيرها حرصاً مبالغاً فيه حتى يصل للتشدد المنهي عنه. الجدير بالذكر أن نوعية هذا الزوج من النوعية التي ترفض رفضاً قاطعاً أن تدرس ابنته أو أخته الطب مهما كان التخصص وذلك حتى تطبب بنات جنسها، بل قد يهدد بتطليق زوجته في حال سماع أن قريبة زوجته تنوي دراسة الطب، وبنفس الوقت يصر على ما أصر عليه حتى يحصل مالا تحمد عقباه، أي تناقض هذا الذي يعيشه هذا الزوج، كيف يعيش التناقض بكامل فصوله وتفاصيله وصوره حين يرفض أن تكون ابنته طبيبة ويعارض أن تكون قريبته طبيبة ويصر أيما إصرار أن تخلق له امرأة تطبب زوجته وفي وقت حرج. التصالح مع النفس يحد من التناقض والتشدد على سبيل المثال قرأت. أن عملية الصوم نفسها ترويض حكم الإنسان في دوافعه والاعتدال بها إلى التوسط والبعد عن الإسراف مصداقاً لقوله تعالى {وكلوا واشربوا ولاتسرفوا انه لايحب المسرفين} هذا الترويض يؤدي إلى التصالح مع قوى النفس الإنسانية. والإنسان الذي تصطلح قوى وطاقات ضميره مع قوة وطاقات دوافعه يعيش بعيداً عن الصراع الذي يؤدي إلى الاضطرابات النفسية المختلفة ولننظر لقولة تعالى {وإذا النفوس زوجت} واصطلحت وتعايشت فإنها تعمل لإسعاد الإنسان. «نحن قوم لانأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لانشبع» أين الذين يطبقون هذا النهج حتى نرى اثره على صحتهم النفسية؟!. هذا الزوج المتشدد لو فكر لعلم ان رحمة الله واسعة. ولو أن الناس ساروا على طريق الغلو والتشدد الذي هو سائر فيه لقضت 90 بالمائة من نساء هذا الكون نحبهن، ألا يعلم هذا الزوج أن الرجل أكثر من يجرؤ ويجيد ويتقن إنجاز العمليات الجراحية الصعبة والولادات العسيرة لحكمة لايعلمها إلا الله، كما أن المرأة تفوق الرجل بمراحل تمريضاً كيف لا وهن ملائكة الرحمة المتصفات بالعطف والحنان، وهذا حقيقة مدعاة لتدبر الحكمة العظيمة من (التدافع) بمعناها الشامل وأنها من السنن الكونية لتستمر الحياة ويعمر الكون ويحترم من خلاله الرأي المخالف، قال تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. مع التأكيد على أننا جميعاً نريد أن تولد نساءنا طبيبات، ولكن حين يكون ليس بالإمكان أفضل مما كان، هنا يجب أن لانغفل وننسى أو نتناسى أن للضرورة أحكاماً، مع العلم والتأكيد على أن هناك فرقاً وبوناً شاسعاً بين (التدين) الذي حث عليه أفضل الأنبياء والمرسلين وكان من بذرته الخيرة هؤلاء المتدينين الذين يزرعون الأرض خيرا. وبين (التشدد) الذي حذر منه معلم البشرية فكانت صورة من صوره البغيضة حينما قام ذلك المتشدد بغلوه وتنطعه فقتل أنفساً بريئة كانت ضحيته أم وجنينها، السؤال الذي يطرح نفسه، هل من سبيل لعلاج المتشدد نفسياً، وذلك ليكون عضواً صالحاً بمجتمعه؟. مما سبق نخرج بنتيجة أن الغلو والتشدد والتنطع الذي صاحب ذلك الزوج نتيجة تعبئة خاطئة على مدار السنين لم تجر عليه ومن ثم على مجتمعه سوى الهلاك، حيث هرب مما يرى انه محظور ليرتكب قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، الآن سيدفع هذا المتشدد ثمن تشدده، وسيسأل يوم لاينفع مال ولابنون، بأي ذنب أزهقت روح هذه الأم الضعيفة وجنينها، وأيضاً حكم على أبنائه باليتم، وعرض مستقبلهم لمهب الريح، فلنتعظ ونع الحكمة من تحذير رسولنا صلى الله عليه وسلم لنا من الغلو حين قال (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) وقوله صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا.......