الحديث عن الوطن سيبقى حدثاً لما يبلغ الحُلم.. والتحدث بفضائله هو من قبيل التحدث بنعم الله ليس إلا..! وإنه لمن نافلة القول: أن من هان عليه موطنه ومكمن عزته وشموخه؛ فقد هانت عليه نفسه وصغُرت في عينيه روحه التي بين جنبيه، وليس من عاقل رشيد إلا ويحتسب حُبه لوطنه عند الله ديانة.. كيف لا؟ وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم مخاطباً مكةالمكرمة أرض المولد والنشأة (والله لولا أن قومك أخرجوني ما خرجت)، وفي الموقف الاخر يقول عليه الصلاة والسلام ممتدحاً الجبل الاشم في المدينة المنوة أرض الهجرة والمناصرة (أُحد جبلٌ يُحبُّنا ونُحبُّه)..! كيف لا؟ ونحن نرى في كل توجيه شرعي من ديننا ما يدعونا إلى الجهاد والتضحية في سبيل الله دفاعاً عن الحمى واستباحة البيضة، وحفاظاً على الدين والدم والعرض وسائر الضرورات الخمس..!؟ كيف لا؟ ونحن نلمس في كل توجيه شرعي من ديننا ما يستحثنا على الوفاء وحُسن العهد والإصلاح وعمارة الأرض..!؟ إنها وإن كانت البلاد غالية على نفوس أصحابها، فبلادنا أحرى بذلك الحب وأحق به من غيرها.. كيف لا؟ وهي أرض القداسة وإشعاع الرسالة؟ ومهبط الوحي ومهوى الأفئدة وقبلة المسلمين..!؟ إننا لا نمجد التراب لأنه ذراتٌ وأكوام وكثبان.. وإنما لأنه يعني الكيان، ومحبته تعني الكياسة والفطنة، فحريٌ بنا جميعاً أن نشعر بما لهذا الوطن الغالي في رقابنا من حقوق فنؤديها، بل ونعطي ابتغاء رقيه ما وسعنا العطاء، ونبذل في سبيل رفعته واستدامته بسخاء، فذلك دأب القوم المخلصين، وعلينا أن نستشعر بوعي المتيقظين النابهين ما يُحاك له في حيل المتربصين ومن جاراهم من المخدوعين، فذلك أمر مرغوب ومطلوب حتى لا يخترق الصف ولاة حين مندم. إن من ادعى الوسائل لتعزيز مبدأ الانتماء في نفوس الأفراد والجماعات؛ امتثال القدوة الصالحة التي تُحافظ على المكتسبات وتتعامل بروح الشراكة والمسئولية، والاعتزاز باسم الوطن ومكانته ودينه وثقافته وتراثه، وتكريس مبادئ التعاون والتكاتف والاخوة، ونبذ العصبية والتحزبات والولاءات التي تفرق ولا تجمع، وتُشتت ولا توحد، كذلك يتحمل المربون في مدارسنا مسئولية كبيرة وفريدة في تربية الناشئة على هذه المبادئ الجميلة، وتزكيتها في نفوسهم، والعمل على تنوير أفهام الطلاب بما هم جديرون به من الإيجابية والتفاعل، حتى يكونوا عناصر بناء وتطوير وارتقاء لأنفسهم ومجتمعهم ووطنهم.