مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، سبحان الله العظيم، قبل فترة فكرت بكتابة مقال حول فكرة انشاء مدينة صناعية وجامعية وتقع متوسطة بين مدن ثلاث (جدةوالمدينة ومكة) على ساحل البحر الاحمر، لتكون بيئة علمية بحثية حديثة مربوطة بالانتاج مباشرة، تستقطب العقول الإسلامية النيرة المهاجرة (حسب تقديرات جامعة الدول العربية ان هناك اكثر من 450 الف عربي من ذوي الكفاءات العالية في تخصصات متنوعة يعملون في الغرب) بجانب الكفاءات السعودية لتكون هذه المدينة نواة «وادي السليكون العربي الإسلامي» وقد ناقشت الفكرة مع احد زملائي فقال: اعتقد ان مدينة رابغ الساحلية هي الانسب لمثل هذه الفكرة. لم يدر بخلدي ان هناك رجالاً مخلصين (رجال الهيئة العامة للاستثمار) يعملون ليل نهار ببلورة وتنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع وبتوجيهات قيادة رشيدة منذ زمن، حتى يوم الاربعاء (19/11/1426ه) عندما فتحت الانترنت في الصباح الباكر فكان خبر مفاجئاً ومفرح جداً لكل مواطن محب وغيور على هذا البلد المعطاء، بأن الفكرة قد بدأت تنفذ، لا ان تطرح للنقاش، وبدأت احدث نفسي وبعفوية تامة، نعم هذا هو «وادي السلكون العربي» (السعودية) قد بدأ! وبالقرب من اطهر بقعة على المعمورة. بدأت اقلب صفحات الانترنت وبنهم من موقع لموقع (الصحف السعودية للصحف الاماراتية) لأعرف المزيد، وما تشمله هذه المدينة الصرح، فوجدت انها متقدمة بمراحل عن ما فكرت فيه بما تشمله من مشاريع اقتصادية متنوعة (استثمارات صناعية، مالية تجارية، تعليمية، سكنية، وسياحية ترفيهية). بدون تفاصيل دقيقة، وفكرتي كانت جزءاً منها، ولأن معلوماتي مبنية على مصادر صحفية ولم اجد تفاصيل دقيقة عن هذه المدينة وليس عندي شك بأن هيئة الاستثمار لم تقدم على طرح هذا المشروع الاستثماري الضخم الا بعد دراسات جدوى اقتصادية وعندها الرؤية المستقبلية للصناعة بشقيها الثقيل والخفيف، وايضاً من قراءتي المبدئية لهذا المشروع اتوقع ان يكون جل اهتمامها في الصناعات المتعلقة بالنفط خصوصاً البتروكيماويات وكذلك الصناعات التعدينية والدوائية وبالتأكيد صناعة تقنية المعلومات والاتصالات ستأخذ نصيبها من هذه المدينة. اذاً، ماهو وادي السليكون (Silicon Valley)؟ استخدم هذا الاسم (او المصطلح) لأول مرة عام 1971م في مقالات للصحفي الامريكي دون هوفلير في صحيفة اخبار الالكترونيات (Electonic News) ومن ثم بدأ تبني هذا المسمى من قبل احد مديري المصانع في الوادي. واسم الوادي ارتبط باسم مادة السلكون، المستخرجة بشكل عام من الرمال (خصوصاً رمال الشواطئ) والصخور وهي مادية شبه موصلة او ناقلة وهي الاساس في صناعة التقنية الالكترونية التي هي بدورها اساس ثورة التقنية والاتصالات في عصرنا الحاضر. وفي الواقع ان البداية الفعلية لوادي السلكون هي جامعة ستانفورد (Father of Silicon Valley) من جامعة (MIT) العريقة لقيادة دفة البحث والتطوير وثم التطبيق على ارض الواقع. ووادي السلكون يقع قرب مدينة سان فرانسيسكو في شمال ولاية كاليفورنيا الامريكية. بالتالي اصبح هذا الاسم يرتبط بمواقع الصناعة خصوصاً تقنية المعلومات والاتصالات ويكون خليطاً بين الشركات المحلية والعالمية كوادي السلكون لوسط وشرق اوروبا (بولندا) ووادي السلكون الهندي (بانجلور) ووادي السلكون الصيني (يقع شمال غرب بكين).... الخ. ومما اثار حفيظتي، هو ان الافكار (النيرة) لايجب ان تبقى حبيسة داخل العقول وحتى لا تذهب ادراج الرياح والفكرة او الافكار ربما تتبنى وربما تخدم فكرة اخرى. وبصفتي اكاديمياً، يهتم بالجانب البحثي (الجامعة)والتطبيقي (المصانع) لكونهما حجراً الاساس للبحث العلمي وتطبيقه على أرض الواقع ليكون منتجاً، فإنني ارى ان بداية «وادي السلكون العربي» في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية يعتمد على ركيزتين وهما: الركيز الاولى: جامعة تقنية وهذه بعض الافكار حولها: 1- ان تكون البنية التحتية من حيث تصميم المباني وتوافر الخدمات والتجهيزات ذات مواصفات عالمية عالية. 2- انشاء مكتبة زاخرة بمختلف المراجع والدوريات والمجلات العلمية ومربوطة بقواعد البيانات الدولية. 3- استقطاب افضل العقول العربية والإسلامية بجانب السعودية لتدير هذا الصرح علمياً وفنياً. 4- او التعاون مع احدى الجامعات العريقة لإدارتها العلمية والفنية. 5- او افتتاح فروع لجامعات عالمية عريقة كما فعلت بعض الدول العربية خصوصاً الخليجية. الركيز الثانية: مركز أو (هيئة أبحاث وتطوير) ضخم وأرى من مهامه الرئيسة: 1- توحيد وتنسيق الجهود البحثية بين الجهات ذات العلاقة (الجامعات السعودية والمؤسسات الحكومية او الاهلية) وهذا الصرح الصناعي. 2- دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصناعية. 3- الاستعانة بمراكز البحوث والتطوير العالمية ذات الخبرة. 4- تفعيل التعاون مع مؤسسات البحث والتطوير الدولية سواء أكانت جامعات أم شركات والاستفادة من خبرتها. 5- أخيراً، يلزم الشركات والمصانع المتواجدة في المدينة بدعمها بجزء من أرباحها (تمويل ذاتي بدل من الانفاق الحكومي). ان مدينة جامعية تقنية وبحثية متقدمة تابعة لهذا الصرح الضخم (مدينة الملك عبدالله الاقتصادية) ذات هيكل تنظيمي تعمل على توجيه البحوث والدراسات لخدمة التنمية الاقتصادية في العالم العربي والإسلامي، وتكون متوافقة مع توصيت مؤتمر القمة الإسلامي الاخير (برنامج العمل العشري) وتدرج ضمن استراتيجية التعليم العالي (1426-1450ه)، أرى انها البداية الفعلية لوادي السلكون العربي الإسلامي. هذه الافكار ربما تكون قد طرحت بهذا الشكل، او بشكل آخر في الهيئة العامة للاستثمار، او لم تناقش بشكل كاف، وأملنا في الله كبير ان تجد آذناً صاغية، لننطلق لمستقبل مشرق يصب في خدمة أمتنا. فاصلة: «كل إصلاح تم كان يوماً ما، مجرد رأي خاص» الكاتب الامريكي اميرسون. * أكاديمي سعودي - معهد الإدارة العامة - الرياض