مع بداية كل عام جديد تنشأ حالة مراجعة وتقويم لمجريات العام المنصرم، وفي الغالب تسيطر الاحداث السياسية - و هي عادة احداث مؤلمة - على الوثائق المعروضة، وتتوارى الاخبار الجميلة لكونها على ما يبدو اخباراً نادرة او لا نعطيها ما تستحقه من اهتمام، فالصفحة الاولى محجوزة دائماً للسياسة، وليس لطالب متفوق او طبيب ماهر. كان الإعلام يتبع الأحداث، ويلاحق الأخبار، وأصبح الآن هو الذي يصنع الأحداث، وأصبح هو نفسه محور الأخبار وليس وسيلتها. كان البطل أو القائد، أو الكاتب المتميز يفرض نفسه من خلال الناس، واليوم تسلمت وسائل الإعلام القيادة، والسيطرة وأصبحت هي الوحيدة التي تملك مفاتيح النجومية والبطولة، وتوزيع شهادات التفوق والنجاح. كانت الصحافة هي السلطة الرابعة وأصبحت الآن هي السلطة الأولى مع منافسة قوية من قبل التلفزيون والإنترنت. كنا نبحث عن الخبر وأصبحنا نبحث عن القناة التلفزيونية التي تبث الخبر، وعن مذيع النشرة الاخبارية، فالخبر واحد هنا وهناك ولكن الفرق هو في الطرح، والصياغة، والمصطلحات والتوجهات، وهذا يقود إلى سؤال: هل يوجد في العالم وسيلة إعلامية محايدة؟ وهو سؤال يقود إلى مزيد من الأسئلة: - لماذا ونحن نراجع حصيلة العام المنصرم نتحدث عن الماضي أكثر من المستقبل؟ - لماذا نكرر نفس الوعود والأحلام؟ - لماذا يعجز الإنسان عن حل مشكلاته رغم تقدمه العلمي؟ - هل أصبحت شاشة التلفزيون هي التي تحكم العالم؟ - هل سيتجاوب العالم مع زلزال آسيا بدون تلفزيون؟ - لماذا تتجه الأضواء الإعلامية الى أحداث محددة، وتنحسر عن أحداث أخرى؟ ولماذا تتجه نحو أشخاص دون غيرهم ونحو مواقع معينة وتبتعد عن مواقع أخرى!! وهل أصبحت الحرية والديموقراطية في العصر الحاضر مرادفة للحروب، والاستعمار والأعمال السياسية المشينة كما تصورها بعض أجهزة الإعلام، في حين تصورها أجهزة أخرى بصورة مغايرة، صورة جميلة وأنموذج يحتذى ويمتلك القابلية والمؤهلات لكي يفرض نفسه على العالم. تزعم بعض وسائل الإعلام انها تصنع الأحداث وهي فعلاً تقوم بذلك ولكن ما هو نوع هذه الأحداث ولماذا صنعت دون غيرها، ولماذا لا تصنع هذه الوسائل أدوية للسرطان والايدز والفكر المنغلق؟ ولماذا لا تصنع الوسائل لمقاومة الانحياز السياسي، وارهاب الدول، ووسائل أخرى لمنع الاحتلال والاحتكار، وقانون الفيتو!! الذين يصفون الأحداث قوم يفعلون ذلك لمصالح وطنية، أو انسانية، وبعض وسائل الإعلام وتحديداً القنوات التلفزيونية تصنع احداثاً على مقاسها تتناسب مع مصالحها ذات النطاق الضيق. أتساءل بكل سذاجة، من الذي يقود الآخر الإعلام أم الأحداث؟ وكيف تتحول مأساة انسانية بحجم قضية فلسطين الى قضية هامشية وأكاد أقول الى قضية إعلامية! هل يخضع السياسيون للإعلام أم العكس؟ الاجابة على هذا السؤال متاحة أمامنا على شاشات التلفزيون والصفحات الأولى للصحف، وعلى أغلفة المجلات. وهنا اقترح على الطلاب الذين يدرسون في الجامعات في الاقسام العلمية محاولة الاجابة على هذا السؤال بشيء من الحيادية والمصداقية، والاستناد على حقائق الماضي والحاضر والمستقبل.