علق وزراء حركة أمل وحزب الله مشاركتهم في الحكومة اللبنانية احتجاجاً على قرارات اتخذتها تطلب فيها من مجلس الأمن انشاء محكمة ذات طابع دولي للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وتوسيع التحقيق الدولي ليشمل كل الجرائم الإرهابية التي ارتكبت في لبنان بدءاً من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وحتى اغتيال النائب جبران تويني - ولا أدري إذا كان سيبقى المستهدف الأخير حتى صدور هذه المقالة. مجلس الوزراء وبالاجماع ومعظم اللبنانيين عبروا عن احترامهم لحق الوزراء ومن يمثلون في اتخاذ الخطوة التي يرونها مناسبة. لكنهم في الوقت ذاته عبروا بألم لعدم وجود اجماع حول أمرين يهدفان فقط إلى كشف حقيقة مسلسل الاغتيالات ومن يقف وراءه، مع التأكيد على كل الضمانات الهادفة إلى معالجة هواجس أي فريق وخصوصاً المقاومة، من محاولة النيل منها أو استهدافها عبر التحقيق وقد قيل ذلك أكثر من مرة داخل جلسات الحكومة وخارجها لا سيما وأن المحكمة الدولية وفي حال اتخذ مجلس الأمن قراراً بشأن تشكيلها فإن القرار لا يمكن أن يوضع موضع التنفيذ إلا بالتفاهم مع الحكومة اللبنانية التي يشكل الوزراء المعتكفون جزءاً أساسياً منها، وهي الحريصة على تأكيد الضمانات المذكورة!! كذلك فإن رئيس مجلس الوزراء ومعه كل الوزراء الباقين أصروا على العمل الصادق لعودة زملائهم إلى الحكومة واكتمال عقدها. لسنا هنا لنناقش أسباب ما جرى. وقد ناقشناها في أكثر من مناسبة كما ناقشها غيرنا. لكن اللافت هو أننا في جلسة من جلسات الحكومة كان ثمة موقف صلب من الزملاء الوزراء أنفسهم أو بالاحرى من قياداتهم بألا يذاع في نهاية الجلسة بيان ينقل فيه كلام عن لسان رئيس الحكومة ما معناه انه سيقوم بسلسلة من المشاورات مع القوى السياسية حول موضوع المحكمة الدولية تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء. تجاوزنا الأمر نزولا عند خاطر الزملاء علماً انه موقف خطير. نعم خطير. لأنه منع نقل كلام لرئيس الحكومة وهذه سابقة، إذ بعد كل جلسة وعند اذاعة المقررات الرسمية يتلو وزير الاعلام بياناً يقول فيه ما ورد - ولو باختصار - على لسان كل من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة. تلك كانت المرة الأولى. وليس في مضمون الكلام أي موقف سلبي بل تعبير عن نية صادقة في اجراء الحوار والمشاورات بعد ساعات من النقاش داخل مجلس الوزراء. والمسألة ليست مسألة قرار لمجلس الوزراء بل كلام لرئيسه فقط!! بعد أيام من تعليق المشاركة ذهبت القيادات السياسية ذاتها بنفسها إلى المشاورات مع رئيس الحكومة وغيره. ثم طالبت بتوسيع دائرتها لتشمل القوى السياسية غير الممثلة في الحكومة أو المجلس النيابي. ماذا جرى؟؟ لماذا هذه الأزمة؟؟ من استفاد منها؟؟ في الواقع، اسئلة كثيرة اضافية تطرح وفي طليعتها: إذا كان تعليق المشاركة قد تم اعتراضاً على الأمرين المذكورين فلماذا دارت مشاورات مكثفة، رافقتها تصريحات ومواقف ساخنة من هنا وهناك، للعودة إلى الحكومة ولكن على قاعدة أو شرط صدور بضعة أسطر من الحكومة تتعلق بالقرار 1559 واعتباره منفذاً، ثم حول دور المقاومة؟؟ لقد تم الخروج لسبب وتبحث العودة لسبب آخر؟؟ أين أصبحت مبررات الخروج؟؟ هل عولجت؟؟ هل تم التراجع عنها؟؟ أم أن البند الذي طلب مؤخراً يعالج كل شيء؟؟ كيف؟؟ ولماذا؟؟ في الحقيقة أعتقد أن ثمة خطأ ارتكب كانت كلفته غالية وهذا أمر مؤسف!! ومن الأساس لم أكن مقتنعاً بحجم الموقف الذي اتخذ. لأن التطورات والنقاشات باتت تدور حول المقاومة التي كانت مسلمة وثابتاً من الثوابت والاجماع حولها وحول دورها قائم بشكل أو بآخر. عند مناقشات البيان الوزاري كانت نقاشات حادة حول القرار 1559. انتهت إلى تفاهم تم التأكيد فيه على ما ورد في الطائف، وما ورد في بيان الحكومة السابقة من احترام للقرارات الدولية وللشرعية الدولية. لكن الأساس تفاهم على المقاومة ودورها. اليوم، بدأت المشكلة في مكان وانتهت في مكان آخر. وإذا كان البعض بما قام به يعتقد انه يحشر «أكثرية» أو فريقاً أو يحاول كسب وقت، أو يخدم المقاومة، أو يخدم سورية في مرحلة انتقالية في التحقيق الدولي وفي ظرف يعتبرون انها تستفيد منه، فيقلب الطاولة ويغير المعادلة، فإنهم اخطأوا بحق أنفسهم، لأن النقاش الذي يدور اليوم خلق جواً غير مريح حول المقاومة التي لايزال دورها ضرورياً ولايزال ثمة توافق حوله لتحرير مزارع شبعا واطلاق الأسرى والمعتقلين ولا يريد فريق كبير من اللبنانيين أن تذهب أبعد من ذلك لكي تبقى أهدافها لبنانية وقد دفع لبنان الكثير. في النهاية وبمعزل عن مختلف الأفكار والنقاشات التي تدور حول هذا الأمر فإنها المرة الاولى التي يصل فيها النقاش إلى المستوى الذي وصل إليه، وهذا ليس في مصلحة المقاومة. ولتحرير مزارع شبعا ثمة أمران: الإقرار بلبنانيتها. وهذا ما تؤكده الدولة اللبنانية. لكنه يحتاج إلى مزيد من الإثبات في الأممالمتحدة وهذا يتطلب اقراراً سورياً نهائياً مما يعزز ضرورة وحاجة المقاومة. وللوصول إلى هذين الأمرين لابد من موقف سوري ثابت الأمر غير المتوفر. منذ فترة طويلة، تارة يقولون لبنانية، وطوراً يقولون نصفها لبناني ونصفها سوري وليترك النصف اللبناني وديعة عند السوري. بعد أن كانوا كما يقولون إنهم أرسلوا رسالة إلى الأممالمتحدة يؤكدون فيها اللبنانية!! وإذا النصف الثاني وديعة فلماذا العمل على تحريره لبنانياً؟؟ قد يسأل البعض كما حصل. ثم بدأت المواقف حول ترسيم الحدود. أمر مرفوض في المبدأ. أمر غير مقبول الآن لأن العلاقات متوترة. وأمر مشبوه لأنه يطرح في هذا التوقيت إذ لا إمكانية للترسيم في ظل الاحتلال. وفي الوقت نفسه يتم إرسال رسائل مع موفدين أن ثمة استعداداً للقيام بهذه الخطوة واعتبار ذلك تنازلاً سورياً وخدمة من أجل تحسين العلاقات اللبنانية - السورية!! وذلك بعد سلسلة من التصريحات المتناقضة لوزير الخارجية السوري في عدد من العواصم حول المزارع ولبنانيتها والاستعداد لإثبات ذلك أمام الأممالمتحدة. وبعد رسالة رسمية من رئيس الحكومة السورية محمد ناجي العطري إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يعلن فيها الاستعداد للترسيم بدون مزارع شبعا في انتظار تحرير الجولان!! طرح وأعلن وكتب لبنانيون وسوريون قائلين: متسائلين: إذا كان السبب في رفض الترسيم الجو المتوتر في العلاقات بين البلدين، فقد تمت المطالبة بذلك منذ سنوات يوم كانت العلاقات مميزة وممتازة وهادئة وصادقة وكانت سورية صاحبة القرار وحدها في لبنان فلماذا لم تقبل؟؟ لماذا لم تقبل حتى في المبدأ؟؟ وفي الإعلان عنه رسمياً وفي البدء في تنفيذه من منطقة معينة بعيدة عن الجنوب اثباتاً للاقتناع بالمبدأ؟؟ وعندما تم ترسيم الحدود مع الأردن كانت العلاقات متوترة وتم التنازل عما يزيد عن مئة كلم2. وعندما تم ترسيم الحدود مع تركيا كانت العلاقات متوترة وتم التنازل عن لواء اسكندرون. لبنان كما يتساءل كثيرون لا يطلب من سورية أن تتنازل عن أرض من أجله بل إن تكرس لبنانية الأرض المقصودة، كما تعلن دائماً وهذا يخدم مصالحها ويحمي المقاومة ومشروعيتها في وجه الاحتلال أكثر ويسقط تساؤلات كثيرة عند فريق كبير من اللبنانيين؟؟ أما القول إن ثمة احتلالاً يمنع ذلك، فإن إثبات الأمر أمام الأممالمتحدة يحصن المقاومة من جهة، ويحمل المنظمة الدولية المسؤولية من جهة ثانية للمساهمة في الترسيم خصوصاً وأن قواتها موجودة في المناطق السورية واللبنانية في المنطقة. إضافة إلى وجود تقنيات حديثة تسمح بالوصول إلى الهدف المنشود في أسرع وقت ممكن خصوصاً عندما تكون النوايا طيبة!!. إذاً أين المصلحة في رفض هذه الأمور ودفع فريق من اللبنانيين إلى الاقتناع أن في الأمر مشروعاً سياسياً يذهب إلى الدخول في عمق دائرة الحسابات السياسية السورية الخاطئة بحق سورية ولبنان منذ التمديد لرئيس الجمهورية في لبنان، القرار الذي سبب التدويل وأحدث الانقسام الكبير في البلد ومنه تفرعت الأزمات التي نعيش!! لقد وصل الجميع إلى مأزق كبير. والمقاومة في مأزق. والخطوة الأولى في الحل - حتى كتابة هذه السطور - تكمن اليوم في عودة الزملاء إلى الحكومة وتجديد الالتزام بالبيان الوزاري. والدخول في حوار داخلها، وفي المجلس النيابي دون شروط مسبقة حول كل النقاط آخذين بعين الاعتبار التساؤلات الكثيرة التي ولدتها تجربة الأيام الأخيرة، حول آفاق المقاومة، وحول السلاح الفلسطيني بعد أن بدأ جنوبيون خصوصاً ولبنانيون عموماً يشعرون بخطر ما يتكرر من ممارسات تجسدت باطلاق الصواريخ على مستعمرات إسرائيلية من أراض لبنانية، بما يذكر كل هؤلاء بأيام «فتح لاند» والتسيّب الذي كان يعيشه الجنوب وما سببه من كوارث ومعاناة رفضها الجنوبيون قبل غيرهم. الجنوبيون اليوم قلقون، سلموا كل مصيرهم للمقاومة الوطنية والإسلامية وكان لهم الانتصار والكرامة. لا يريدون العودة إلى الفوضى. وأي عمل من هذا النوع انما يصيب لبنان واستقراره ويسقط صدقية ودور المقاومة. فمن يقف وراءه؟؟ وكل المؤشرات والدلائل تشير إلى طرف فلسطيني سبق أن قام بمثل هذه الأعمال والمقاومة تعرف ذلك تماماً؟؟ فهل فعل الشيء ذاته اليوم بعلمها؟؟ أليس في ذلك خطر؟؟ وهل فعل الشيء ذاته بدون علمها؟؟ أليس في ذلك شيء أخطر؟؟ وفي كل الحالات تنهال الاسئلة لدى اللبنانيين وأمامهم، تحت سقف الإرهاب والدم والاغتيال وفي ظل الاتهام السياسي والمعنوي لسورية بتنفيذ هذا المسلسل. الحوار يبدأ من هنا. والمنطلق: وقف الاغتيالات. وقف آلة القتل.. هل يحمل ذلك العام 2006م معه؟؟ لا أدري. بل لست متفائلاً!! وإن كان سعينا يجب أن يبقى قائماً لحماية لبنان وحريته واستقلاله!!.