أن نقف على الواقع يعني أن نصفه بشفافية ووضوح وعلى أسس معرفية سليمة دون محاباة أو تطبيل - إن كنا فعلاً صادقين في رغبتنا المضي قدماً نحو الرقي بالدراما المحلية للمستوى المُمَكِن لها لتكون داعماً وطنياً إعلامياً وثقافياً واقتصادياً -. وأن نصف الواقع وصفاً تحليلياً يعني أن نفككه ونشرحه الى أبسط عناصره وأدقها ؛ ذلك سيساعدنا على تلمس مكامن الضعف ومسبباته، وبالتالي تداركها وتصحيحها ثم تسيير عجلة الانتاج من جديد لنقطف ثمارها ونلمس فوائدها على جميع الأصعدة سالفة الذكر .. فلا ينكر إلا جاحد أن وزارة الثقافة والإعلام - وزارة الاعلام سابقاً - لم تبخل في يوم من الأيام على المنتج السعودي والدراما السعودية، بل على العكس من ذلك فالمنتج السعودي - ولا أعمم فهناك منتجون مخلصون تشهد لهم أعمالهم المميزة - هو من بخل على الوزارة - التي أكرمته ودعمته - وعلى الدراما السعودية التي ستؤمن عليها!!. فحين قررت الوزارة الاعتماد على أسلوب المنتج المنفذ السعودي بدلاً من الانتاج داخل أروقة التلفزيون - في سابقة تعد الأولى من نوعها على مستوى دول الخليج العربي -؛ رغبة منها في خصخصة الانتاج الدرامي وتحريك روح التنافس الفني بين مؤسسات وشركات الانتاج الفني السعودية مما يسهم في تطوير الدراما السعودية لترتقي الى المستوى المطلوب الذي يليق بسمعة هذا البلد الكريم وتؤدي دورها المناط بها خدمة لهذا الصرح الشامخ، لم يدر في خلد المسؤولين في الاعلام - آن ذاك - أن تتحول العملية الى عمليات مقاولة (وغش)!! - قد ينكر علي بعض المنتجين «إياهم» مقولتي ولكن حسبي أن اثباتي سيتضح لك - عزيزي القارئ - مع قراءتك الحرف الأخير من هذه السلسلة من المقالات - خصوصا ان كنت من المتابعين للمقالات السابقة -. كما لا ينكر إلا جاحد أو جاهل أن الوزارة - مشكورة - لم تألُ جهداً في دعم الممثل السعودي للمشاركة بأعمالٍ درامية عربية في سبيل صقل موهبته وانتشاره واحتكاكه مع عمالقة الدراما العربية ليعود عليه ذلك بالنفع وبالمحصلة يعود هذا النفع على الدراما المحلية، وذلك بأن رفعت الوزارة قيمة الساعة الدرامية للمنتج غير السعودي - الانتاج المتوفر - الى ما يصل أحياناً الى ضعف قيمتها في حال مشاركة الممثلين السعوديين بتلك الأعمال، وأكرر أيضاً بأنه لم يتوقع المسؤولون بالاعلام - آن ذاك - أن يُستغل الممثل السعودي - وإن كان أحيانا ليس ممثلا أصلا ولا علاقة له بشيء اسمه فن أو دراما - ككمبارس أو في دور ثانوي ليس له ما يبرره ويشعر المشاهد أنه مفروض عليه فرضاً في هاتيك أعمال!! وتصبح فضيحتنا «بجلاجل» - على قول أخواننا المصريين - بدلا من أن كانت فضيحتنا مستورة بيننا!! . وكم من شاب خرج سائحاً لعواصم دول عربية مشهورة بالانتاج الدرامي، وعاد الينا ممثلا مشهوراً لا يشق له غبار!! والفضل في ذلك يعود الى الاعلانات داخل فنادق تيك العاصمة والتي كانت احداها تقول بما معناه: أخي الشاب السائح السعودي إن كنت تجد في نفسك الرغبة والموهبة لتصبح ممثلاً تلفزيونياً ولديك الوقت الكافي اتصل بنا فنحن سنحقق لك حلمك!!. وحتى أكون موضوعياً أكثر ولا تأخذني الحماسة - المبررة في نظري - لنتفحص مراحل انتاج الأعمال الدرامية المحلية في ضوء ما قرأناه من المقالات السابقة . بداية هناك ثلاثة أصناف من المنتجين: صنف يتم تعميده من ثلاثة الى ستة أعمال في السنة!! وكل عمل لا يقل عن 10 ساعات وقد يصل الى 17 ساعة وتتراوح قيمة تعميداته من التلفزيون ما بين مليون الى 7 ملايين عن العمل الواحد ؟! - ولنا توضيح أن مجرد تنفيذ مسلسل واحد يستغرق ما بين شهرين ونصف الى ثلاثة على أقل تقدير، وأحياناً يصل الى سنة كاملة .. فلا أدري ما هي الكيفية التي يقوم بها هذا المنتج بتنفيذ هذا الكم من الأعمال خلال سنة واحدة ؟!! - . وهناك صنف آخر من المنتجين يتم تعميدهم عن عمل واحد في السنة، وأحياناً عملين . أما الصنف الأخير من المنتجين فهم الذين لا يعمدون الا كل 5 أو 6 سنوات مرة، وأحياناً أكثر وليس من عيب فيهم او كسل منهم - إذا ما قارنتهم بالمنتجين الآخرين - وفي ذلك حكمة بالغة!! وبدون تعميم، يقوم المنتج (س) بالبحث عن فكرة أو قصة أو ملخص لمسلسل ما لتقديمه للتلفزيون - أحياناً يكون هو صاحب الفكرة - ثم إن حصل على الموافقة المبدأية من التلفزيون يبحث عن كاتب ليكتب له سيناريو العمل. ولأن هذا المنتج يريد أن يربح أكبر قدر ممكن من المال فثق تماماً أنه لن يبحث عن سينارست سعودي متمكن أو حتى عربي جيد -رغم تحفظي الشديد على أن يكتب السيناريو كاتب غير سعودي بحكم بعده عن المعايشة المتعمقة للمجتمع ومعرفته به - وسيجد ضالته في كتاب السيناريو (السكة - ان جاز اللفظ) والذين لم يمش معهم الحال في بلدانهم، هذا ان لم يقم هو بنفسه بكتابة السيناريو!! فالسيناريو في نظره مجرد (سواليف وما يخوف)، ولكن (اللي يخوف) في نظره (وشلون راح يكتب 400 صفحة من السواليف)؟!! . وأحياناً يكتب السيناريو كاتب عربي مغمور ثم يضع المنتج اسمه عليه!!. ثم يقدم نص (السواليف) للتلفزيون مع نبذة مختصرة عن كاتبنا المبجل!! وحين حصوله على التعميد من التلفزيون وبمبلغ لا يقل عن مليون وقد يصل الى ثمانية!! سنجد أنه سيتبع احدى طريقتين - لا ثالث لهما - لانتاج هذا العمل الدرامي!! وحسبي - أخي القارئ - بأنك ان عرفت هاتين الطريقتين التي سيتم بهما تنفيذ العمل: لن تتساءل ثانية لم ظلت الدراما المحلية متأخرة رغم الدعم والتشجيع المستمرين ؟!! وهذا ما سنلم به في الجزء القادم . فيتبع . * بروناي:.