المشهد الأول يضيف للذاكرة الكثير من مخزون التراخي وقيم الاستهلاك التي بعضها نمارسه مع سبق الإصرار والترصد وبعضها الآخر تجبرنا عليه الأنظمة وثقافة مجتمعنا، الصورة لطفل اعتاد ان يذهب لمدرسته مع السائق والشغالة حيث يحمل السائق حقيبته المدرسية صباحا إلى باب المدرسة وظهرا يحملها إلى المنزل والصغير يلهو ببقايا الحلوى، الجزء الآخر من المشهد لفتاة هي اخته ايضاً تحمل الشغالة حقيبتها من المنزل للمدرسة ومن المدرسة للمنزل والصغيرة تلهو تارة بالحلوى وتارة بشعرها المتناثر بعد يوم دراسي منهك.. تلك الصورة ليست جزءاً من ثراء تعاني منه الأسرة السعودية بل هو جزء من واقع اجتماعي نعيشه. ذلك الصغير استمر السائق يحمل حقيبته إلى ان تخرج من الثانوية، ولم يجد قبولاً في الجامعة فوقف في طابور العاطلين ليجد أن أمامه مجموعة من المهن التي تتطلب جهدا بدنيا، ومجموعة من قيم لا يعرف عنها شيئاً سوى ما يسمعه في التلفاز..؟؟ تردد الشاب كثيراً ليس في قبول الوظيفة بل في التفكير في قبولها لانه لم يحمل حقيبته المدرسية سابقاً، وهو ليس ابن أسرة غنية يمكن ان تجد له قبولاً في جامعة اهلية أو تبتعثه. المسافة التي تفصل بين حمل حقيبة ذلك الصغير وبين بحثه عن عمل هي احدى مسببات البطالة لدينا، نعم هناك تغير مهم في تفكير الشباب، وتقبل حقيقي للعمل المهني والميداني إجمالا عند الشباب السعودي عموما ولكن مازال لدينا سلوكيات تكرس قيماً سلبية ومعارضة لدخول قيم أكثر ايجابية. من يستطيع ان يقيس المسافة بين صغير لا يحمل حقيبته وشاب لا يجد قبولاً في الجامعة أو وظيفة مناسبة يستطيع ان يجد الحل السحري لمشكلة البطالة. اليوم تقوم وزارة العمل بحملة كبيرة لحل مشكلة البطالة من خلال عملية السعودة بإحلال ابناء الوطن مكان غير السعوديين في مهن وحرف بعضها يحتاج لتأهيل مناسب ولا يكفي ان تكون سعوديا أو محتاجا للعمل. أعتقد أن ما تقوم به وزارة العمل بداية لمعالجة المشكلة وليس علاجا لجذورها، نحن ان اردنا حل المشكلة فإن ذلك الحل يقبع بكل قوة عند باب وزارة التربية والتعليم وبقية المؤسسات التعليمية أي ان حل البطالة يتركز في اعادة استراتيجية وأهداف التعليم في بلادنا بحيث تكون مخرجات التعليم عموما أفراداً مؤهلين لأدوار وظيفية معينة وفق قدراتهم ووفق احتياج سوق العمل الذي لن يقبل دائماً توظيف رجل أو امرأة فقط لتحقيق سياسة السعودة خاصة في القطاع الخاص الذي يستثمر في البشر كما يستثمر في المصنع. مشكلة البطالة بعضها اجتماعي وبعضها الآخر اقتصادي، والأكيد أنها نتيجة عقم في عملية التعليم لدينا.