الحقيقة أن ليس هناك فرق بين مجالس العزاء وما تسمى قصور أفراح وحفلات الزواج، وبالتالي أضحت حفلات الزواج لا تختلف عن مجالس العزاء لا سيما بعد أن غزت المفاطيح مجالس العزاء وأصبحنا ما بين حزن أو عمل، في حفلات الزواج الكل خبير أسهم، فتسمع هذا يقول (طب ولا تتردد) وهذا يقول الظاهر إني تعلقت وذاك يقول زد الكمية وهناك من يقول عدل ترى السهم في نزول ثم يأتي من يقول أنصحك تبيع السهم الفلاني فيه تصريف والآخر يقول بسرعة اشتر السهم الفلاني فيه تجميع، هل نحن بصالة تداول أسهم أم بقصر أفراح؟، أم أن هؤلاء المدعوين معذورون لأن ليس لديهم خيار آخر. حقيقة ما دعاني لأكتب هذه المقدمة هي تلك الأفكار التي جالت بخاطري وذلك حين دعيت لإحدى حفلات الزواج، لا اعرف هل من حسن الصدف أن صالة الطعام كانت ملاصقة للصالة التي تتواجد بها النساء، فكنت بالكاد اسمع الدفوف وهي تضرب والكلمات وهي تنشد وقلبي يتحسر ويتألم، لقد كنت أتساءل كيف يقبل من المرأة أن تفرح ولا يقبل من الرجل؟ ولماذا النساء تفرح وتعبر عن الشعور بالفرح ونحن الرجال نجتمع فقط على الطعام هل منازلنا ينقصها طعام حتى نأتي فقط لنأكل، أين النساء اللواتي يطالبن بالمساواة أو بحقوق فينظرن ويعترفن أن الرجل أيضاً مظلوم ويطالب بمساواته بالمرأة بهذه النقطة الفرايحية تحديداً، وبالتالي لكل منا حقوق سلبت منه لأسباب واهية. لماذا لا يوفر لنا صاحب الدعوة برنامجا لنشاركه فرحته بجميع فصولها، ما الذي يمنعه من ذلك وهو أكثر من يحرص على سعادة ضيوفه، لماذا لا يقتصد في هذا الطعام الذي يرمى 80 بالمائة منه ويجعل جزءاً منه على تلك الفرق الشعبية والباقي يوفر، أين العرضة السعودية؟ وأين السامري؟ وأين الأمسيات الشعرية؟ وأين البرامج الترفيهية؟ متى نفرق بين حفلة زواج ومجلس عزاء؟ متى نفرح كما تفرح سائر الأديان وبني البشر؟ هل ديننا دين عبوس وحزن، حاشا لله، إذن لماذا نبحث عن الحزن ونغوص في أعماقه، من يعيد لنا البسمة التي سلبت سلباً من شفاهنا؟. لماذا لا يكون هناك فرق شعبية تدعى عند وجود حفلة زواج فتحيي الحفل وترسم البسمة على وجوه الجميع، قرأت أن تلاشي هذه الفنون الشعبية المباحة يقود بالضرورة إلى تلاشي غيرها، وهذه الفنون هي جزء من التراث، وأي أمة لا تحافظ على تراثها فهي أمة ضعيفة وهزيلة، ومن يتبع تراث الأمم الأخرى يجد فيهم الحرص والتفاني على المحافظة على فنونهم وطريقة معيشتهم وأكلاتهم وملابسهم، ونحن أولى بذلك منهم، لأن تراثنا إسلامي وعربي أصيل وهو تراث مهم وتأثره يعني تأثر ثقافة هذه البلاد وهذا نذير خطر يجب أن نتوقف جميعاً ضده. ولا يعني ذلك التمسك الغبي أو غير المبرر ببعض الفنون المخالفة للعادات أو للشرع الإسلامي.. نحن نريد أن يرى العالم ثقافتنا ويعرفها ولا يتم ذلك قبل أن نعرفها نحن أولاً. كيف تتساوى لدى البعض حفلة مختلطة وبين ما يفترض أن يكون حين تحيي تلك الفرق أفراحنا كرجال بدون اختلاط، وكيف تتساوى عند البعض أيضاً حفلات الزواج بوجود الآلات الموسيقية المختلفة وبين التي فقط بالدفوف، كما نصت عليها النصوص، من المستفيد من جر المعتدل للتطرف بالاتجاه الآخر، ولمصلحة من يضيق على من ينوي إقامة مثل هذه الحفلات البريئة، وإلى متى ترسخ مفاهيم الكراهية الخاطئة لدى العامة لمثل هذه الفعاليات، الحقيقة المرة أن ترسيخ مثل هذه المفاهيم دعم بشكل أو بآخر للإرهاب حتى لو لم يقصد فاعلية ذلك حيث إنها تدعو لترك الفرح وللزهد بالدنيا وتحرض على العنف، والسؤال الموجه لمن لا يتقبل مثل هذا النوع من الفنون هو كيف نعلن ونعبر عن فرحنا إن كان كل شيء سوف يوضع أمامه العراقيل؟ هل لديك بديل؟ ألا يحق لنا كمسلمين أن نفرح؟ في حديث لرسول الله يؤكد أن الرجل يحق له غالباً ما يحق للمرأة والعكس صحيح، حيث كان الرجل يزاول تلك الألعاب وكان يراهم عليه الصلاة والسلام رؤيا العين ولم ينكره عليهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها فقال دعهم يا عمر» وفي حديث يدل على سماعه للدف وهو يضرب بين يديه ولم ينكره بل كان سينكر ما جميعنا متفقون على انكاره، وفيه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف قال أوفي بنذرك قالت إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال: لصنم، قالت: لا، قال: لوثن، قالت: لا، قال: أوفي بنذرك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت في النكاح»، قال ابن الملك: «إن المراد الترغيب إلى إعلان أمر النكاح بحيث لا يخفى على الأباعد، فالسنة إعلان النكاح بضرب الدف وأصوات الحاضرين بالتهنئة أو النغمة في إنشاء الشعر المباح». وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال» أي بالدف. تعليقي على هذين الحديثين الذين لا لبس أنهما يدعوان لاشهار الزواج صراحة ومع ذلك هناك من العلماء الأفاضل من أجاز زواج المسيار الذي غالباً ما يكون زواجاً سرياً وفي المقابل وفي مسائل أكثر وضوحاً كالضرب على الدف أصبح التردد ملازماً للجميع!! وفي فتوى لفضيلة الشيخ الفقيه عبدالمحسن بن ناصر العبيكان عن حكم استعمال الدف والطبل في المناسبات للرجال والنساء وإقامة العرضات فيه، إليكم جزء من إجابة طويلة ضافية وشافية لفضيلته مع الرجاء من الجميع قراءتها كاملة ولكن ضيق المساحة حتم عليّ ذلك. أما ذلك الجزء من تلك الفتوى فهو (إن من القواعد المقررة في الشريعة أن الأصل في العادات الإباحة إلا ما دل دليل على تحريمه). وأضاف فضيلته فقال (وبما أن النصوص المتقدمة دلت على إباحة الدف والطبل في المناسبات كالعيدين والختان والنكاح وقدوم الغائب ولم يخص النساء بذلك والأصل الاشتراك وقد جاء في كتاب الفروع 8/377 واستحب أحمد الصوت في عرس وكذا الدف قال الشيخ: لنساء وظاهر نصوصه وكلام الأصحاب التسوية ا. ه، أي أنه مباح للرجال والنساء وقد ذكر الحنابلة أيضاً أن الإمام أحمد أباح الطبل في الحرب وأن ابن عقيل استحبه. انظر الإنصاف 21/356 وغذاء الألباب 1/173). كما أضاف فضيلته فقال: (لقد كان الناس منذ زمن طويل وهم يقرون من يقيم العرضات في المناسبات ولم ينكر ذلك العلماء الربانيون الذين كانوا لا يسكتون على منكر وقد سألت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - عن الطبل للرجال وحكم العرضة فأجابني بقوله: (الأصل الحل ولم يرد دليل على التحريم وهناك حديث أباح الدف والطبل ولعلك تبحث عن سنده) انتهى كلامه - رحمه الله -، وأفتى أيضاً فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - بجواز العرضة وحضر عرضة أقيمت في منطقة القصيم ونقلت عبر التلفاز).