هناك بيت شعر يصعب على كتب البلاغة تجاهله لعذوبته وامتلائه بالصور والتشبيهات الرقيقة. وقد أتى هذا البيت ضمن قصيدة طويلة يصف فيها يزيد بن معاوية دلال حبيبته بقوله: " واستمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العُناب بالبَرد" وتكمن بلاغة البيت في جمعه للمحاسن الأنثوية في سطر واحد فقط؛ فالمطر كناية عن البكاء؛ واللؤلؤ الدموع، والنرجس العيون، والورد الخدود، والعناب الشفايف، والبرد الأسنان...!!! على أي حال؛ تعلمون جيدا أن زاوية حول العالم بعيدة عن قضايا الشعر والبلاغة- ولكنني تذكرت يزيدَ حين قرأت خبرا عجيبا عن فتاة هندية تذرف من عينيها حبات لؤلؤ حقيقية!!! فمن ولاية جاهر كاند تعاني فتاة تدعى (سافيتري) من مشكلة طبية محيرة.. فبين الحين والآخر تعاني من صداع حاد يجبرها على البكاء من شدة الألم. وبدل أن تذرف الدموع تذرف قطعاً صغيرة من الحجارة الصلبة- تشبه حبات اللؤلؤ.. الطريف هنا أن سكان قريتها أصبحوا على قناعة بأن سافيتري فتاة مقدسة وأن ما تذرفه لؤلؤ مبارك يستحق الشراء (وهو ماحول والدها إلى رجل ثري خلال أشهر فقط)!! ÷ ورغم غرابة هذه الحالة إلا أن هناك حالتين مشابهتين- على الأقل- ظهرتا في عالمنا العربي؛ الحالة الأولى لفتاة لبنانية تدعى حسناء محمد ( 12سنة) تخرج من زاوية عينيها قطعاً كريستالية صغيرة. وبدأت مشكلة حسناء عام 1996حين شعرت بجسم تحت جفنها الأيسر. وحين فركت عينها خرجت منها قطعة زجاجية بيضاء سلمتها لوالديها- ثم بدأت تذرف الكريستال من كلا العينين.. ورغم أن والدها طاف بها على عدد من مستشفيات العالم- من بينها التخصصي بالرياض- إلا أن الظاهرة انتهت كما بدأت قبلُ، بعد عامين!!! أيضا هناك فتاة من مكةالمكرمة تدعى مها البقمي تذرف الحصى من عينيها. وقد وردت قصتها في بعض الصحف المحلية- وظهرت في قناة العربية وهي تذرف حجارة كلسية ملونة لايزيد حجمها عن حبة القمح. وفي إحدى الزيارات لمستشفى حراء أحضر الأب ثماني قطع ادعى أنها خرجت من عيني أبنته. وبعد أن حولت إلى معامل جامعة الملك عبدالعزيز اتضح أنها تتكون من الكالسيوم (70%) والمغنيسيوم (10%) وحمص الكربونات (10%) وتكلسات ملحية ومعدنية أخرى (.. وحسب ماسمعت لم تنته هذه الحالة الغريبة الا بعد عرضها على الشيخ منير عرب في دار الرقية الشرعية)!! ÷ التفسير الوحيد- الذي أعرفه- يعود إلى ارتفاع نسبة بعض الأملاح والمعادن في الدم؛ فحين ترتفع نسبة هذه العناصر. (وخصوصاً الكالسيوم) تتشكل أنواع من البلورات والحصيات تتفاوت في شكلها وحجمها ولونها. والشائع هنا هو تشكل هذه الحصيات في الكلية أو المرارة أو المثانة والحالب؛ ولكن يحدث في حالات نادرة أن تخرج أيضا من الأنف والأذن ومجرى البول (.. وفي حالات أكثر ندرة من العينين حين تذرف الدموع بغزارة). أما اختلاف نوعيات الحصى في الحالات السابقة فيعود (أولا) إلى عدم الدقة والمبالغة في نقل الخبر (وثانيا) إلى أن هذه الحصيات تتشكل فعلا بألوان مختلفة تتراوح بين الأسود الداكن إلى اللؤلؤي الأبيض- كما حدث مع "سافيتري" التي أمطرت لؤلؤاً من نرجس.. وباعته في الأسواق بالذهب!! بقي أن أشير إلى ان الموضوع برمته يذكرني بقصة جميلة للكاتب المصري نهاد شريف.. ففي رواية "الماسات الزيتونية" يتساءل بطل القصة (الدكتور عبداللطيف) عن إمكانية حث الكلى على إنتاج الألماس بدل بلورات الاكسلات. وبعد تجارب مضنية ينجح في إنتاج ألماسات صغيرة من كلى مرضاه بدون علمهم. ورغم انه حقق ثروة طائلة من هذا العمل إلا انه لم يجرب إنتاج ماسات كبيرة خشية انكشافه من قبل الأطباء الآخرين. وبدافع من الطمع والفضول يقرر إنتاج الماسة عملاقة من كليته (هو) ولكنه يموت فجأة حين تنفجر الكلية بسبب حجم الألماسة الكبير!!