كنت فيما سبق لا أصدق من يقول أن هناك امرأة سعودية تفضل أن تشتري احتياجاتها مهما كانت من وافد، وتترك أخاها وابن وطنها ودمها ولحمها يخرج من السوق خاسراً بخفي حنين، ولكن بعد أن رأيت هذا رأي العين وسمعته بكلتا الأذنين، أصبت بصدمة شديدة، وأيقنت أن المرأة عائق من معوقات السعودة، وهي أيضاً سبب من أسباب تأخر الشباب عن الزواج. أتدرون ماذا قالت إحدى الفتيات لمرافقتها حين همت بدخول أحد المحلات التجارية، قالت: (مها، مها لا تدخلين اللي يبيع سعودي)، حقيقة لم أكن أنوي الدخول بهذا المحل فقد كنت ابحث عن محل بالاسم، ولكن هذا التحذير الشديد من عواقب الدخول ولد لدي إصراراً لمعرفة نوعية هذا الوحش الذي يحذر منه. بعد الدخول كان هناك سلام فكان رد للتحية بأحسن منها حاولت أن أدقق بهذا الصوت وأفرز سحنته وبعض من ملامحه، نعم هو أخي وابن عمي وجاري وقريبي وابن وطني، حقيقة كل تلك الملامح وجدتها في ذلك الشاب، وكل أدب جم وجدته بذلك البائع. طلبت منه مساعدتي لجهلي بالنوع المناسب، حقيقة لم أجد في حياتي رجلاً ناصحاً صادقاً مطمئناً كما هو ذلك الشخص، قد يقول قائل ما أدراك انه كان صادقاً معك، الذي أدراني تطابق قوله مع قول أصحاب الخبرة والتجربة الذين كانوا ينصحون بهذا النوع الذي نصحني هو به، كما أن السعر كان كما ذكر لي. لا أستطيع الجزم بأن صديقة مها منزوعة الوطنية ولكن ما أستطيع الجزم به هو أنها لا تستطيع النظر أبعد من قدميها لا سيما وهي أكثر من يعلم أنها لو أرادت أن تطلب عوناً أو تستغيث بشهامة رجل فلن تجد شهامة في هذه الدنيا تفوق شهامة الرجل السعودي، وأؤكد انها ستطلب فزعته وهي تشير إلى غترته وعقاله. وكدليل قاطع على أن ما أقوله حقائق واقعة وليست شعارات زائفة، كلنا يعلم وسبق أن جرب حين يشتكي من ألم في بطن أو رأس أو ظهر كيف يهرول مسرعاً عند الطبيب الوطني، الذي تربى على الصدق والأمانة، حيث نجد الراحة والصدق والطمأنينة، وليس مع ذلك الذي يحملنا عشرات الأدوية ونحن بالكاد نحتاج إلى اثنين منها، مع التأكيد على أن هناك من الأطباء الوافدين من نتمنى أن يبقى معنا أبد الدهر لما نلمسه منهم من طيب وصدق وحسن معاشرة. إذن ما الذي يجعل تلك الفتاة تحذر من الدخول للشراء من ابن الوطن، أي ظلم من بنت الوطن لابن الوطن، لماذا هذه القسوة التي لا تليق بك يا بنت وطني، أين نذهب؟ من أين نأكل؟ إن كنت ستفضلين الوافد على أخيك وابن عمك وابن وطنك، أرجوك بأن لا تقولي أنه الحياء، هذا عذر أقبح من فعل وغير مقبول البتة. أي نوع من الحياء هذا الذي يمنعك من الدخول على رجل دون آخر، ولو كان في المحل الآخر امرأة لأوجدنا لك عذراً، أما والحال كهذه فلا وألف لا، ثقي أختي الكريمة إن كان ما يشغل تفكيرك الخوف من أن يتعرف على شخصيتك فهذا يستحيل ما دمت متحجبة ومن الله خائفة. إذن علينا جميعاً يا بنت وطني أن نحسن النوايا، ونعيد التعامل كما يجب مع بعضنا البعض، كفى حذر وتوجس وخيفة لا تستند إلا على أوهام ما أنزل الله بها من سلطان، ومن اليوم نعم ومن اليوم نعقد العزم على وضع سمننا في دقيقنا، وهل يوجد اصلاً أجمل من أن تدور قريشاتنا في ما بيننا وعلينا وحوالينا. وبالتالي يجب أن نأخذ على أنفسنا عهداً بأن لا نصدر أحكاما مسبقة ظالمة، بل نؤجل إصدار الأحكام حتى نتعامل مع هذا الشخص أو غيره، فنعلم بعد المعاملة الحقة مدى صدقه وطيب معاملته وحسن أخلاقه، حينها بدون شك ولا ريب سنتخذ القرار الصحيح والمناسب.