أعتز كغيري من أبناء هذا الوطن المعطاء بنهج قيادتنا الرشيدة وسعيها الدائم لتحقيق مزيد من الرفاه والتطور في كافة المجالات، ومما يثلج الصدر ويسر الخاطر ما يطرح اليوم عبر وسائل الإعلام خاصة في الصحف المحلية، من اهتمام بالتقرير السنوي لديوان المراقبة العامة وما يحمل بين طياته من نتائج أو تجاوزات لبعض الجهات الحكومية. فالفساد الإداري والمحاسبة والمساءلة وتحديد المسؤولية هي مصطلحات بدأت وسائل الإعلام في تناولها وأصبح طرحها للنقاش أمراً مألوفاً بل تجاوز ذلك إلى تداولها والمطالبة بها داخل أورقة السلطة، خاصة مجلس الشورى الذي بدأ بعض أعضاءه في التركيز على النتائج الواردة في التقرير إدراكاً منهم بخطورتها وقراءتهم لمستقبل ما سينتج عن استفحالها من آثار سلبية وخيمة. وبصراحة تامة إن ما يبذله المجلس من جهد وما ينتهجه في طرحه ومناقشته لمضمون التقرير السنوي للديوان لا يتعدى كونه تنبيهاً أو تحذيراً مأمون العواقب لبعض المسؤولين في تلك الجهات، الأمر الذي يدعني أشك في مدى فاعليته وتأثيره على تغيير مسار اعتادوا عليه وألفوه، بل وأدرك البعض منهم مصلحته الشخصية من خلاله وذلك لأنه سرعان ما يأخذ أولئك المسؤولون مناعة أو جرعة مضادة حتى يألفوا القرارات والتصريحات والمطالبات الصادرة، بل لن يحرك بهم الأمر ساكناً طالما لم يتخذ المجلس أو الجهات المعنية بالأمر قراراً سريعاً بتحديد آلية معينة لمعرفة المتسبب ومساءلته واتخاذ الإجراءات اللازمة والرادعة بحقه دون هوادة. إنني على يقين تام بإدراك هؤلاء الأعضاء الذين يطالبون بالاهتمام بالنتائج الواردة في التقرير بالجهد المبذول من قبل المسؤولين بالديوان في استنباط هذه النتائج وسبر أغوارها حتى استيفائها أو الرفع للمقام السامي بشأنها، الأمر الذي دفعهم إلى مشاطرة الديوان همه واهتماماته لدرء هذا الخطر وإيقافه قبل استفحاله. إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ومنذ أن كان ولياً للعهد وهو ينادي ويناشد في قراراته باتباع منهج الصدق والأمانة والإحساس بالمسؤولية بل تعدى ذلك في كثير من الأحيان إلى صيغة الأمر المباشر والتوجيه الصريح وطلب تحديد المسؤولين ومحاسبتهم عن أوجه التقصير، وما الخطاب التعميمي الذي رفعه خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 20/11/1422ه حيال الإصلاح الإداري بكافة جوانبه إلا مثال يجب أن يحتذى به من قبل المسؤولين في الدولة وذلك لما يعبر عنه من دلالة على عزمهما يحفظهما الله على اجتثاث الفساد الإداري في قطاعات الدولة من جذوره والمضي قدماً في الإصلاح من خلال ترسيخ منهج لابد أن يتبع والتركيز على الصدق والأمانة والإحساس بالمسؤولية ومحاسبة المقصرين. فالمشكلة إذاً ليست في سن الأنظمة والتشريعات، فهي موجودة أصلاً وما يستجد ماهو إلا تحديث وتطوير لها فقط، وإنما المعضلة الكبرى تكمن في قناعة بعض المسؤولين بتبنيها والجدية في تطبيقها وإيجاد الآلية الكفيلة بالتقيد بها حتى ولو قسراً. وعودة إلى نتائج التقرير السنوي للديوان، فإنني أرى أن تؤخذ بمحمل الجد وأن يتبنى مجلس الوزراء الموقر وفقاً للفقرة الرابعة من المادة الرابعة والعشرين من نظامه قراراً بتشكيل لجنة على مستوى عال تضم في عضويتها ممثلين لمجلس الشورى وهيئة الخبراء ووزارة المالية وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق. وحرصاً على تفعيل دور هذه اللجنة وضمان الخروج بنتائج وتوصيات بناءة حول ما تضمنه تقرير الديوان من مخالفات فقد يكون من المناسب أن تشتمل مهامها على ما يلي: 1- فرز النتائج الواردة في التقرير السنوي وبحثها فنياً وتحديد الملاحظات الناتجة عن التقصير أو الإهمال أو عدم النهوض بالمسؤولية. 2- مخاطبة الأجهزة الحكومية محل الملاحظة أو الملاحظات الواردة في التقرير السنوي للديوان وطلب ترشيح أحد مسؤوليها المعنيين ومناقشته في الملاحظة أو الملاحظات المتعلقة بجهازه الإداري. 3- تحديد أوجه التقصير والمسؤولين عنه في تلك الجهات وإيضاح ما يترتب على ذلك من آثار أو ضياع أموال وتحديدها إن أمكن. 4- الرفع للمقام السامي أو لمجلس الوزراء الموقر بتقرير يتضمن تلك الملاحظات ونتائج الاجتماعات وتحديد المسؤولية والإجراء المقترح اتخاذه بحق المقصرين. والله من وراء القصد...