وقف الفنان العراقي على مسرح كيفان الكويتي وسط حشد من الفنانين العرب، بعد قطيعة استمرت خمسة عشر عاماً.. هي عمر الغزو الصدامي للكويت.. وحاول بحركة مسرحية بارعة أن يبث لواعج الحرمان من التواصل الإنساني والثقافي بين مجتمع الدولتين الجارتين. كان يوسف العاني حزيناً وهو يتفحص وجوه الحاضرين من كويتيين وعرب.. ومنذ بدأ يتحدث خيم الصمت على الجميع.. الكويتيون كانوا يتوقعون هجوماً كاسحاً على صدام حسين.. بينما العرب كانوا يتوقعون إشادة بمقاومي الفلوجة.. - بالمناسبة يوسف العاني من مواليدها -.. ولأنه يرتبط بعلاقات واسعة مع المسرحيين والكتاب العرب.. والكويتيين منهم.. فإنه لم يجئ على ذكر صدام حسين ولم يمتدح (المقاومة)!! إلا أنه أوضح بصريح العبارة انه يعيش في بغداد حبيس بيته، يكاد لا يغادره إلا لقضاء غرض من أغراض الحياة الضرورية، نظراً لانعدام الاستقرار وانفلات الوضع الأمني.. وبعبارة ذكية ومعبرة راح يوسف العاني يلقي مسؤولية ما يحدث في العراق على المتسبب فيما يجري.. هذا المتسبب فهمه الكويتيون أنه صدام حسين.. والعرب بأنه الأمريكان.. وكلا الفهمين صحيح.. ?? فواشنطن هي التي أوحت للطاغية العراقي من طرف خفي بارتكاب حماقة الغزو، حين قالت له غلاسبي سفيرتها في بغداد.. إن أمر تحرك الجيش العراقي صوب الكويت لا يعني أمريكا بوصفه شاناً بين جارين!!.. وصدام حسب أنه سيفوز بهذه الدولة البترولية المطلة على الخليج، نظير تحقيق رغبة إدارة الحزب الجمهوري (ريغان ثم بوش الأب) بترجيح كفة الحرب للعراق على إيران.. ظن أنه سيُترك في الكويت إذا ما عقد صفقة مع واشنطن بتلبية حاجتها من بترول العراق والخليج والمملكة بالصورة التي تراها! متناسياً أنه ينتمي إلى الشق المضاد من النظام الدولي الذي بدأ يتفكك وقتذاك مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وانفراط منظومة الدول الاشتراكية.. فهل هناك فرصة ذهبية مواتية لواشنطن في حسم انتصارها واستفرادها بالنظام الأحادي القطبية، سوى المجيء إلى منطقة المياه الدافئة المتميزة استراتيجياً.. والتعسكر بأساطيلها فوقها، تحت ذريعة إخراج صدام حسين من الكويت.. ومن ثم اقتحام العراق واحتلاله بحجة إسقاط نظامه الاستبدادي!؟ ?? سبب ما يجري في العراق اليوم - إذن - مركب من هذه العوامل الداخلية والخارجية.. فهل يعي غالبية المثقفين والأدباء العرب هذه الحقيقة؟.. يوسف العاني بحكم ما عاناه شعبه من ظلم الطاغية، ومن جرائم الاحتلال الأمريكي يدركها جيداً.. إلا أنه وغيره من العراقيين غير قادرين على إيضاحها لجمهور المثقفين والأدباء والناشطين العرب، من ذوي الثقافة الشعبوية.. بل إنه في الغالب سوف يُرمى بتهمة العمالة لو حاول فض اشتباك عناصر هذا السبب المركب، لذلك تلافى الحديث عن صدام.. خاصة وان جرائم الاحتلال وانفراط الوضع الأمني، وانتشار الفوضى بعد إسقاط النظام الحديدي.. خيّلت لمتابعي الشأن العراقي أنه كان مستقراً بتربع صدام على عرش السلطة فيه.. ولا يريدون أن يحملوه مسؤولية ما يجري فيه من فوضى وتمزق ودمار، بسبب إدارته الطاغوتية التي صيرت العراق في مهب عاصفة هوجاء .. لا تزال أوائل تداعياتها تنذر بشرر كالقصر على الوضع العربي بأسره..