حوارنا مع الآخر مطلب مهم في جميع الأزمان وهو أصل إسلامي دلت عليه شريعتنا الإسلامية بقول الله سبحانه وتعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} ويقول تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، وفي القرآن الكريم حوارات متعددة وبأساليب مختلفة لا يتسع الوقت لذكرها، كما أن في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم شواهد عديدة على الحوار مع الآخر، وتتزايد الحاجة إلى الحوار مع الآخر في الوقت الحاضر الذي يعيش فيه مجتمعنا والمجتمعات العربية والإسلامية بوجه عام ظروفاً وأوضاعاً استثنائية تتطلب فتح قنوات التواصل مع الآخر بما يمثله من ثقافات عالمية خاصة بالثقافة الغربية التي تعد في وقتنا الحاضر هي الثقافة المسيطرة والمؤثرة في العالم بما تمتلكه من نفوذ وقوة. وفي حوارنا مع الآخر يستلزم منا التكاتف والتعاون فيما بيننا وأن نقف صفاً واحداً أمام الآخر وننسى اختلافاتنا لأن مصالحنا الوطنية فوق المصالح الخاصة والشخصية خاصة في ظل الظروف والتحديات التي نواجهها في وقتنا الحاضر، ويتطلب ترتيب أنفسنا وتنظيمها لنكون أكثر فاعلين ومؤثرين في الآخر، لاشك أن هناك تنوعا في الآراء أو حتى اختلافا بين أفراد المجتمع وفئاته وهذه سنة الله في خلقه، بل التنوع والاختلاف في حدود ما سنه الله، سبحانه وتعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام مصدر قوة للمجتمع حيث يعني احتواء جميع أفراد المجتمع بأطيافه وتوجهاته المختلفة كما انه مطلب للحراك الثقافي والاجتماعي، وكما قال أحد العلماء «اختلاف الأئمة رحمة للأمة»، لكن لا يصل باذن الله إلى حد الخلاف الذي يفرق الشمل ويضر بهويتنا الدينية وبمصالحنا الوطنية. وفي حوارنا مع الآخر يستلزم منا أن نقيم أنفسنا ليس من باب جلد الذات أو حتى نقد الذات، ولكن من باب تقييم الذات وذلك لمعرفة جوانب الضعف لتعديلها وتلافيها ومعرفة جوانب القوة فينا لتدعيمها وتطويرها، ففهم الذات «نحن» أساس للحوار مع الآخر، وفي هذا الخصوص هناك عدد من المعطيات المتصلة بقضية حوارنا مع الآخر التي يمكن استجلاؤها وتتضمن: - علينا أن ندرك أن المجتمع السعودي عاش لفترة من الزمن نوعا من الانغلاق على نفسه فكان التواصل مع الآخر بما يمثله من ثقافات مختلفة محدودا جدا بل كان يهجر من سافر إلى دول الخليج العربية حتى ولو كان لطلب الرزق، كما كان يطلق مفهوم أجنبي وخواجة حتى لمن يجاورنا جغرافياً من مواطني الدول العربية، وفي منتصف التسعينات الهجرية السبعينيات الميلادية كانت المحطة المهمة في بداية التواصل مع الآخر فزيادة الدخل الاقتصادي للمملكة ترتب عليه ارتفاع في المصروفات الحكومية لدفع عمليات التنمية الشاملة في مختلف المجالات ولنضرب مثالا على ذلك فبينما كانت المصروفات الحكومية 32 بليون ريال في عام 1394 - 1395ه تضاعفت في خلال خمس سنوات إلى أن وصلت إلى أكثر من 150 بليون ريال في 1399 - 1400ه ونظرا لقلة الخبرة وقلة الأيدي العاملة السعودية استلزم الأمر الاستعانة باعداد كبيرة من الخبراء والأيدي العاملة من كافة دول العالم للمشاركة في دفع عمليات التنمية، كما انفتح باب التواصل والاتصال التجاري والصناعي والسياحي مع العالم الخارجي من أوسع أبوابه، هذا التسارع في الاتصال والتواصل المادي مع العالم لم يواكبه تواصل في الحوار مع الآخر، فهناك قصور في التواصل والحوار مع الآخر، حيث بدأت الجهود في ذلك متأخرة وكردة فعل للظروف الحالية فبالاضافة إلى ذلك يعاب على تلك الجهود أنها مبعثرة هنا وهناك فهناك عدد من المؤسسات التي تشترك في الحوار مع الآخر مثل وزارة الشؤون الاسلامية ووزارة الثقافة والاعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة التعليم العالي بجامعاتنا المختلفة، لكنها تفتقد استراتيجية واضحة ورؤى مشتركة كما تفتقد تلك الجهود إلى التنسيق والتنظيم، بل قد يكون اختيار المشاركين في فعاليات الحوار مع الآخر مبنيا على أسس غير موضوعية مما يؤثر سلبا في حوارنا مع الآخر، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه وإن كانت العزلة تلاشت من خلال التواصل والاتصال المادي مع الآخر لكن ما زالت رواسب مرحلة الانغلاق السابقة مؤثرة في مجتمعنا فلم يكن هناك تهيئة لأنفسنا ومؤسساتنا المجتمعية للتعامل الفاعل مع النقلة التي مرت بها المملكة وافرازاتها، لذا فإن وضع استراتيجية ورؤى وطنية محددة تعتمد على تنسيق الجهود في الحوار مع الآخر أمر ملح في وقتنا الحاضر، إن إسناد هذه المهمة إلى مؤسسة أو مركز متخصص يقوم بوضع استراتيجية للحوار مع الآخر ويتولى تنسيق وتنظيم الجهود وترتيب الأولويات مطلب مهم ولعل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني من خلال الخبرة التي اكتسبها ودوره الريادي في اشاعة ثقافة الحوار في الداخل ولكونه هيئة مستقلة مؤهلة للقيام بهذه المهمة الكبيرة بعد تدعيمه ماديا وبشريا. - بين الخصوصية والانغلاقية، قد يتصور البعض ان وجود خصوصية للمجتمع السعودي تفرض التقوقع حول الذات والانغلاقية حتى لا تؤثر الثقافات الأخرى على خصوصيتنا فهناك نوع من الحماية الزائدة، صحيح أن المجتمع السعودي له خصوصية نابعة من الثوابت العربية والإسلامية لكنها من المفترض ان تشكل هذه الخصوصية انطلاقة للحوار والتعامل مع الآخر لا الانغلاق، يقول الله سبحانه وتعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير} فخصوصيتنا لا تمنعنا من التعامل مع الآخر والاستفادة منه، بل الحوار والتواصل مع الآخر أصل في شريعتنا الإسلامية يقول الله سبحانه: {وجادلهم بالتي هي أحسن}، ويقول تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، ويقول تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لا يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه شواهد حية على تواصله مع الآخر، إن قيمنا وثقافتنا لا يمكن أن تفهم وتنتشر اذا كنا غائبين عن التفاعل والحوار مع الآخر ورؤانا لا يمكن أن تصل إلى الآخر ونحن في وضع المتفرج. - الاختلاف والخلاف بين البشر سنة الاهية حتى في أعظم الأمور وأهمها وهي الأمور العقدية يقول الله تعالى {ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك}، ولا يمكن أن نجبر الناس على الدخول في الإسلام بل يقول العلماء لا يجوز يقول الله تعالى: {لا إكراه في الدين»، ويقول {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} ولو شاء الله لجعل جميع الناس على قلب واحد، يقول الله تعالى: {ولو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} ويقول الله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميع» لكن الدعوة إلى الله بالحسنى وإيصال الدين الإسلامي إلى الآخر أمر حث عليه الشرع يقول تعالى {ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ودعوة غير المسلم للإسلام فيها من البر والرحمة وحب الخير للآخر، يقول الله تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ويقول «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وكم من غير مسلم بعد إسلامه يعتب علينا ويحملنا المسؤولية في التقصير في التبليغ بهذا الدين العظيم.