كعادتي في عصر كل يوم ذهبت لزيارة الوالدة وشربت القهوة معها - رغم تفضيلي شراب الكحة عليها.. وبدون مقدمات قلت لها : أم فهد، أريد أن أسألك عن امرأة كنت أراها في طفولتي - لست متأكداً - إن كانت شخصية حقيقية أم من نسج الخيال.. قالت «من تعني؟».. قلت : جارة أو صديقة كانت تزورك - ونحن صغار - تملك عينين بلونين مختلفين (عين خضراء وأخرى سوداء). وبدون تردد قالت : إيووه ؛ سعدية اليمنية، الله يذكرها بالخير تعلمت منها صنع اللحوح (واللحوح فطائر يمنية أفضل قهوتنا عليها!!) .. عندها فقط أدركت أن «سعدية» شخصية حقيقية تملك فعلا لونين في عينيها.. بل شعرت أنني رجل محظوظ كوني رأيت حالة طبية نادرة لا تتكرر بين البشر سوى بنسبة واحد على خمسين ألف (وتدعى Heterochromia iridium ) !! فمن المعروف أن لون العينين تحدده نسبة أو كثافة مادة الميلانين الملونة في القزحية (وهي المادة المسؤولة أيضا عن اختلاف ألوان البشر). فالعيون السوداء تملك - أكثر من العيون البنية - تركيزا أكبر من صبغة الميلانين في حين تعاني العيون الخضراء والزرقاء من قلة هذه المادة في قزحية العين. والحالة السابقة تظهر بسبب وجود مورثتين (أو جينتين مختلفتين) يتحكم كل منهما بلون كل عين على حدة ورغم أن هذين المورثين يتوافقان لدى معظم البشر - بحيث نولد بلون موحد - إلا أن هناك حالات وراثية نادرة تظهر فيها كل عين بلون مختلف (أسود وأخضر، أو بني وأزرق، أو عسلي ورمادي).. ليس هذا فحسب بل هناك حالات أكثر ندرة تظهرفيها عدة ألوان مختلفة في القزحية الواحدة (تدعى طبيا heterochromia iridis)! ... على أي حال... رغم غرابة هذه الحالة ما تزال أعين البشر أكثر بساطة وأقل تعقيداً من أعين معظم المخلوقات.. فمعظم الطيور مثلا يمكنها الرؤية في اتجاهين مختلفين وإدراك كل منظر على حدة. بل إن كثيرا من الديدان والحشرات تملك محجرا ضخما يضم بداخله عددا كبيرا من العيون الثابتة ترى كل منها باتجاه مختلف!!! أما الطيور الجارحة فيمكنها الرؤية من مسافات هائلة بفضل ضخامة مقلتيها وسعة الشبكية لديها ؛ فالصقر مثلا يمكنه - وهو طائر في الجو - رؤية أرنب صغيرعلى بعد ثلاثة كيلومترات. أما النسر فيفضل الوقوف على صخرة مرتفعة ورصد أي مخلوق يتسكع في دائرة يبلغ قطرها 2500 متر!! .. أيضا هناك طيور وأسماك وحشرات يمكنها الرؤية في الظلام بفضل حساسيتها المرهفة للضوء.. فالبومة مثلا ترى خلال الليل أفضل بمائة مرة - وأبعد بخمسين مرة - مما يراه البشر.. أما النحلة فترى من خلال الأشعة فوق البنفسجية وبالتالي (ما يفرق معها) وجود الشمس من عدمه!! أما أغرب عينين يمكن لمخلوق استعمالهما فهي بلا شك عيون الضفادع.. فالضفادع مخلوقات (مرتاحة البال) لا ترى شيئا حتى يتحرك أمامها. فأي جسم ساكن - بالنسبة لها - غير موجود حتى ينتقل من مكانه فتعمل عيناها فجأة وتلاحقانه بكل دقة. وعيون كهذه تناسب حياة الضفادع تماما كونها تعتمد على أكل الديدان والحشرات الطائرة - فتبقى الدنيا مظلمة في عينيها حتى يتحرك «الطعام» فتلتقطه في جزء من الثانية!! هذه العيون الخارقة تجعل من عيني الإنسان أداة بدائية وسريعة العطب (حيث تتصلب العدسة بعد الأربعين ويضعف البصر قبل العشرين)... وأكاد أجزم بأنه - لو لم يفتح الله علينا - ونخترع النظارة لما استطاع نصفنا قراءة هذه الجريدة!!!