وسط جمود ملحوظ لحركة الزيارات الى معرض بيروت العربي الدّولي للكتاب بعد الجريمة النكراء التي أودت الإثنين الفائت بالنائب والصحافي جبران تويني، أطلّ مشهد مغاير من الجناح السعودي. كانت عبير ترتدي زيّا سعوديا تقليديا وتمسك المحفظة الخاصة به، وتلوح بالمروحة النسائية الغريبة، وتركّز البرقع على وجهها، وتطلب الى صديقتها التقاط صور لها مزهوّة بما تقوم به. استوقف المشهد صحافيين وإعلاميين وزوارا فتجمهروا حول الجناح الوسيع الممتدّ على مساحة 240 مترا مربّعا، في زيادة بلغت مئة متر مربّع عن الأعوام السابقة. هذا الرّكن السعودي الوسيع أضاف تميّزا أصيلا الى أجواء المعرض الغارق في صور الشهداء الذين سقطوا بحر هذه السنة، فأطلّ بفكرة جديدة وديكور فريد هدفهما تعريف اللبنانيين الى تقاليد المملكة العربية السعودية وحرفها وأزيائها وليس الى إصداراتها الطبية والأدبية والهندسية والسياسية فحسب، وهي التي عرضتها 14 جهة مشاركة تتنوّع بين وزارات وجامعات ومكتبات. يتحلّق عدد من الشخصيات الثقافية والدينية في الركن العربي من الجناح في جلسة عربية أصيلة تجمعهم مع رئيس الملحقية الثقافية السعودية في لبنان الدكتور أيمن عبد الرحمن المغربي، وهي جلسات تتكرر يوميا وتستضيف في حوارات ونقاشات شخصيات من مجالات عدّة، وتشبه هذه الخيمة الأنيقة تلك الصالونات الأدبية التي عرفتها بيروت في زمن كان فيه للثقافة وقعها الأقوى. «استضفنا دولة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، وزير الإعلام غازي العريضي، وزير الثقافة طارق متري وسواهم وافتقدنا الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان يمدّنا بالدعم المعنوي الدائم، ولم نحظ هذه السنة أيضا بزيارة النائب بهية الحريري ونأمل أن نعود ونراها»، يقول أيمن المغربي شارحا بأن المساحة الوسيعة التي اتخذها العارضون السعوديون هذه السنة كانت تحيّة وفاء للشهيد رفيق الحريري. شجرات النخيل الوارفة تحوط الخيمة السعودية، القهوة والتمور تقدّم للزوار. هنا معروضات وصور فوتوغرافية من الحرف السعودية، وهنا أزياء من مكّة ونجران وجدّة والرياض وزيّ عروس من عسير. أحذية وآنية خزفية، سيوف، وصبايا تتزاحمن كما عبير لتحظى بصور تذكارية مع هذه الإكسسوارات القديمة والجميلة. وهنا عند مدخل الجناح فتية يتفرجون على خريطة المملكة ومدنها الرئيسية، ومنهم من يجرب المباخر المتآلفة مع الآنية المخصصة لصبّ القهوة في ديكور فني أنيق. ويقول الدكتور المغربي بأسف: «بعد أن كان الإقبال منقطع النظير في الأيام الأولى للمعرض تدنت الحركة بعد جريمة الاغتيال التي أودت بجبران تويني، لكنّ المملكة تستمر في تعليق آمال كبيرة على معرض الكتاب بتوجيهات من وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، وبمتابعة وكيل الوزارة للعلاقات الثقافية الدكتور عبد الله المعجل، اللذين يشددان على مشاركة المملكة في التظاهرات الثقافية العالمية وخصوصا في لبنان أرض الفكر والثقافة ومهد الأدباء والشعراء والسياسين». جديد الجناح السعودي هذه السنة كتب باللغتين الفرنسية والإنكليزية عن جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأخرى عن العاهل الراحل فهد بن عبد العزيز، وثمة غزارة في الكتب الهندسية بالإضافة الى كتب العلوم الشرعية والإسلامية والأعمال الأدبية. ويكشف المغربي بأن وزير التعليم العالي الدكتور العنقري أذن للملحقية الثقافية بتنظيم منتدى الشباب السعودي في لبنان مرة في الشهر، «ويستضيف هذا المنتدى بعض المسؤولين السعوديين من كتاب وعلماء وخبراء ومتخصصين في مجالات عدّة للتحاور مع الطلبة السعوديين في لبنان (عددهم 450 طالبا موزّعين على الجامعات اللبنانية المختلفة)، وللتباحث معهم في التطور الحضاري في المملكة». هذا المنتدى سيبدأ فعليا في شهر شباط المقبل أو في بداية آذار كحدّ أقصى بحسب المغربي. «صدمة» محمود درويش في جوار الجناح السعودي الزاهي بألوان العادات الأصيلة وبالضيافة السعودية الكريمة، وشاح أسود يلفّ دار «النهار» للنشر، وصورة لجبران تويني تمثله شعلة لا تنطفئ للحرية، وفي مقابل الجناح أيضا جلس الشاعر محمود درويش يوقّع لمحبيه ديوانه الجديد «كزهر اللوز أو أبعد»، الصادر عن دار رياض الريّس، وهو كان رافضا بشدة التحدّث الى الصحافة. لكنّه كسر هذا الصمت بعدما سألته «الرياض» عن رؤيته لواقع الصحافة العربية إثر سلسلة الاغتيالات التي طاولتها ومنها اغتيال صديقه سمير قصير وجبران تويني، فأجاب درويش: «مأساة الصحافة جزء من مأساة أكبر يعيشها المجتمع العربي الذي يعاني من القهر والغياب المطلق للديموقراطية». وأضاف: «خسرت في جريدة (النهار) أحد أعزّ أصدقائي وشعرت مذذاك بأن بيروت أصبحت ناقصة. وصدمني مجددا استشهاد جبران تويني مما يعني ان هناك محاولة لخنق ما تمثله الصحافة الحرة وتحديدا (النهار) من مهنية وريادة فكرية، وقتل دورها في أن تكون نموذجا لحرية التعبير والتفكير». هكذا قال محمود درويش وراح يوقّع بكلمات شحيحة اقتصرت على «اطيب التمنيات» واسم الشخص المعني ديوانه الذي يقول فيه «وداعا، وداعا لشعر الألم».