قدّر الله وما شاء فعل.. ولكل شيء نهاية.. ولكل أجل كتاب، لقد كتب علينا أن نودّع من لا نريد توديعه للأبد.. ولكنها سنّة الحياة، فقد قال الشاعر: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دول من سرّه زمن ساءته أزمان كان السرور يغمر الجمهور الرياضي بمختلف ميوله خلال أكثر من عشرين عاماً مليئة بالإبداع والمتعة التي كان يرسمها فيلسوف الكرة العالمية «يوسف الثنيان»، حيث كان يطوع الكرة بشكل لم يعرف له مثيل في تاريخ كرة القدم، أسحموا لي أن أخالف العادة السعودية في تمجيد المباني وتحجيم الأشخاص (حيث لا نتردد في إطلاق عبارات أفضل ملعب وأكبر مطار، ولكننا نتحفظ عند وصف المبدع السعودي)، أرجوكم شاهدوا شريط «يوسف الثنيان» ثم أسألوا أنفسكم: من يملك مثل هذه المهارات؟ وقبل أن تقفز أسماء مارادونا ورونالدينو تخيلوا البيئة التي عاش فيها هؤلاء والملاعب التي تدربوا فيها والبطولات التي خاضوها والأندية والنجوم الذين لعبوا معهم وضدهم! عندها ستعلمون أن النمر الآسيوي كان يقدم إعجازاً كروياً يزيد من مساحة الحزن عند اليقين بنهاية تلك الأسطورة.. أليس عجيباً أن نختلف في تفضيل بيليه أو مارداونا ويطول الحوار البيزنطي عند الحديث عن سامي وماجد، ولكننا نتفق بمختلف ميولنا على أن النجم الأمهر هو «يوسف الثنيان»!!! كان الحزن مضاعفاً بالنسبة لي.. حيث تزامن مهرجان الاعتزال مع تشرفي بتمثيل الاتحاد السعودي في الندوة الوطنية الأولى من أجل كرة قدم أفضل (الاحتراف) التي نظمها الاتحاد الإماراتي لكرة القدم، وقد سررت بالأنباء التي وصلتني عبر الهاتف عن الحضور الجماهيري المميز وتنظيم المهرجان الرائع والمستوى الكبير للمباراة التي شرفت كرة القدم السعودية، ولكنني حزنت لمستوى الدعم المادي للنجم المعتزل في مهرجان التكريم الذي سبق المباراة بأيام، حيث اقتصر التكريم على الدروع والهدايا التذكارية ذات المردود المعنوي الذي كان سيتضاعف بمنح النجم الكبير مبالغ مالية تعبر عن امتنان الجمهور الرياضي للمتعة التي قدمها البروفيسور على المستطيل الأخضر، ولكي تتضح الصورة فقد حملت جريدة «البيان» الإماراتية خبراً بعنوان: «أول المبادرات.. مليون لفؤاد» حيث يقام بعد شهر من الآن مهرجان اعتزال النجم الإماراتي «فؤاد خليل» وقد بدأ الدعم المالي قبل المهرجان بواقع نصف مليون من رئيس نادي العين «محمد بن زايد» ونصف مليون من رئيس نادي الوحدة «سعيد بن زايد»، ولو سألتم أشقاءنا في الإمارات لأكدوا أن «الثنيان» هو النجم الأمهر على الساحة الخليجية والعربية والآسيوية ولكن الأغنياء من أهل الرياضة أحجموا عن دعم هذا الأسطورة باستثناء الوقفة الصادقة من عدد من أمراء الهلال يتقدمهم «عبدالله بن مساعد ومحمد بن فيصل»، وأعذروني إن حال بعدي عن الوطن عن متابعة دعم مالي وصل للنجم السعودي من رجال الرياضة السعودية.. ولكنني أطمع في المزيد فالثنيان يستحق أكثر وأكثر. لقد زادت قناعتي بأحقية نجمنا الكبير حين شاهدت شريطه المسمى «يوسف الثنيان» قبل أسبوع من نزوله للأسواق، ووصلت إلى حقيقتين مؤكدتين: الأولى أن الشريط لم يتمكن من تغطية كامل إبداعات «الفيلسوف» ولا ألوم القائمين على إنتاج الشريط لأن جمع المعلومات المصورة المتناثرة في المكتبات التلفزيونية أمر يصعب تحقيقه، والحقيقة الثانية أن ما جاء في الشريط يكفي لتأكيد التفوق والأفضلية. ولعلي أتوقف معكم عند لقطة واحدة فقط، حيث موّه برأسه فخدع لاعباً يراقبه بطريقة لم أشهد لها شبيهاً في حياتي رغم متابعتي الدقيقة لكرة القدم العالمية. والحديث عن العالمية يذكرني بمقطع وصلني عبر البريد الاليكتروني يقارن بين أسطورة الكرة السعودية وأساطير الكرة في العالم فيعرض لقطات لمارادونا وزيدان ورونالدينيو ويعقبها بنفس الحركة من إبداعات «الثنيان» التي لا تقل إتقاناً إن لم تكن أفضل، هل بالغت في الوصف؟ وهل تريدون أن أتوقف؟ أسمحوا لي أن أختم، بالتذكير بموهبة أخرى للنجم الكبير حيث القفشات والمقالب والتعليقات التي تستحق شريطاً آخر ومقالات أخرى، ولكنني أتذكر حين سئل «الثنيان» عن موعد اعتزال أحد النجوم الكبار فقال بتلقائية: «إذا نسمت الكورة!» كناية عن حرصه على استمرار ذلك النجم في الملاعب طالما هناك كرة قدم، واليوم أقول إن الكرة قد «نسمت» وخرج الهواء منها للأبد باعتزال «يوسف الثنيان» متذكراً قول المتنبي: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم!!!