سؤال هل نبدأ بالحكاية أم نبدأ بالكلام؟ مشكلة عندما تتصارع الأفكار في ذهنك لتحتار أيها تكتب وأيها تكتبك، ومشكلة أكبر عندما تبحث عن الأفكار فلا تجدها أو عندما تضيعها أو تختفي بعد أن كانت ملء يدك؟ وقبل أن تكتبني فكرة أخرى لاعلاقة لها بالعنوان سنكتب الحكاية.... والتي تتلخص في موضوع انترنتي قرأته في أحد المنتديات العربية التي تم «سعودتها» بحيث كل ما فيها أصبح سعوديا: بدءا من فضيحة تهز المجتمع، أو مصيبة تدق رأس المدينة الفلانية، مرورا بالعناوين المتكررة التي تتحدث عن المرأة وقضاياها ومن يريد استغلالها أو سجنها وحديث دائم عن المنتدى المنافس «الذي يميل لليمين أو اليسار أو يقف في الوسط» وتعليق على مقال يتهم كاتبه بأنه منساق وراء الغرب أو بأنه صاحب فكر ظلامي أو ضالي أو تفجيري أو كافر أو أنه يدعو للانحلال وأنه خطر على المجتمع لمجرد أنه قرأ كتابا أو قال رأيا لا يعجب الآخرين، ونهاية بالبصمة الخاصة بالمنتديات المحلية والتي تميزها والتي تبدأ بعبارة «بشرى...إغلاق منتدى......» حيث يبشر أحدهم بإغلاق موقع منافس ويدعو الآخر إلى تعطيل موقع منافس في حرب تشبه حروب أطفال الحواري قبل اختراع الألعاب الالكترونية. الموضوع الانترنتي كان يحمل عنوانا محرضا يتحدث عن سيدة أعرفها جيدا وتعاملت معها على أكثر من صعيد، لم يترك الموضوع إتهاما أخلاقيا أو دينيا إلا ووجه لهذه السيدة وسرد لأحداث لا يمكن أن يقبلها منطق وهجوم لفظي لامبرر له المضحك أن كاتب الموضوع في حديثه عن السيدة لم يسعَ لجمع معلومات صحيحة عن وظيفتها وعملها لذلك كل ما يمكن قوله ان الموضوع كان عبارة عن منظومة من الشتم والسب، لسبب بسيط جدا هو الاختلاف في الرأي مع هذه السيدة، المضحك أن معظم الردود والتعليقات كانت متفاعلة إيجابيا مع ما كتب، وتصديق كامل لما رواه صاحب الشتائم المختفي خلف شاشة الكومبيوتر، وكأن هذه العقول المستقبلة مستعدة لتصديق كل حرف يكتب وكل كلمة تقال بدون فلترتها أو تمريرها على نقاط المنطق في عقولهم أو أدمغتهم. ويبدو أن البعض منا قابلون للانسياق وراء ما يقال أو يكتب ويمكن تحريكهم وبرمجتهم باستخدام كذبات معينة ما دمنا نعرف مفردات السب والشتم الرائجة وهذا في حد ذاته مخيف في نظري. رغم أنني ضربت كفا بكف وأنا أبتسم متعجبة من سخافة الطرح وسخافة القبول، إلا أن هذا لم يمنعني من التفكير في مدى فظاعة الأمر، وتذكرت كم أن الكثيرين تتحاور معهم أو تحدثهم لتجد أن معلوماتهم مستقاة من موقع انترنتي خفي لا يمكن الوثوق به وتحاول أن تسألهم:«من أين لكم هذه المعلومة؟» ليردوا:«من الانترنت» وينسون أن بعض المواقع لا تتجاوز في عرضها مسألة «قالوا....وسمعت» أي سواليف مجالس، وضحكت بيني وبين نفسي كيف أن المجتمع الذي كان في زمن ما إذا أراد أن يصف كلاما بالكذب قال:«كلام جرائد» لأنه يرى أن الصحف قد تبالغ أحيانا في سبيل التسويق والتشويق وزيادة الأعداد المباعة هذا المجتمع أصبج كثير من أفراده يرون أن «سواليف» بعض المنتديات هي حقائق يجب أن تصدق، وبالتالي يصبحون تحت تأثير هذه المواقع وما يطرح فيها. تجربة الانترنت العربية تثير اهتمامي وتجربتنا كمجتمع سعودي مع الانترت هي تجربة في حد ذاتها تستحق التأمل والمراقبة وحتى الدراسة بكل ما فيها بدءا من «هذه الصفحة لا يمكن الوصول لها» ومرورا بالمواقع الشخصية لطالب ثانوي يريد أن يتعرف على نفسه وعلى الدنيا من حوله، فهي قد تخبرنا كثيرا عن التغيرات الاجتماعية التي حدثت عن تغير مفهوم الخصوصية عن الانفتاح على الآخر وحدود هذا الانفتاح عن القدرة على الحوار عن التفاعل مع المعلومة وهي أيضا قد تفسر لنا كيف تعمل عقولنا، لذلك فإنني أتساءل:« ما الذي يجعل البعض منا يصدق ويتفاعل من أي كتابة شتم وسب وحكايات ملفقة تكتب أو تقال؟»