تشير آخر البيانات الاحصائية الرسمية لمصلحة الاحصاءات العامة الصادرة من وزارة الاقتصاد والتخطيط لعام 24 - 1425ه إلى أن عدد غير السعوديين المقيمين بالمملكة يبلغ (6,144,236) مقيماً ومن بين هؤلاء هناك (1,728,840) مقيماً ومقيمة في منطقة الرياض («الرياض» 29/10/2005م) وعن هؤلاء المقيمين تتحدث التقارير الصحفية أن هناك معلومات تشير إلى أن قسم الهروب بإدارة الوافدين بالرياض فقط يستقبل أكثر من (150) بلاغ هروب يومياً، أي ما يعادل (4,500) بلاغ هروب شهرياً (الوطن 24/10/2005م) وإن تأكدت صحة مثل هذه التقارير التي أوردتها الجريدة - فإن ما يساوي - بطريقة حسابية - (45,000) بلاغ من مواطنين عن حالة هروب عمال أو عاملات منزليات سنوياً قد تغيبت عمالتهم عنهم في الرياض. ومن جانب آخر أشارت بعض التقارير الصحفية إلى ترحيل أكثر من (25,000) متخلف ومخالف نظام الإقامة عن طريق الجو والبحر بمحافظة جدة خلال شهر شوال الحالي حسب إفادة مدير إدارة الوافدين بجدة (عكاظ 27/11/2005م) أي خلال شهر واحد فقط وهو بلا شك رقم كبير جداً وبالتالي ربما يعني ترحيل ما يقارب (300,000) متخلف أو مخالف لنظام الإقامة أو العمرة سنوياً من منطقة مكةالمكرمة وحدها، ما لم يكن ارتفاع هذه النسبة خاصاً بالعمرة في رمضان، بل لقد تطور الأمر لأن يصبح التستر على بعض المتخلفين تجارة يمارسها بعض الوافدين أنفسهم داخل المملكة، حيث كشفت آخر التقارير الصحفية عن تمكن جوازات العاصمة المقدسة من إلقاء القبض على (300) معتمر دفعوا لوافد يحمل جنسيتهم مبلغاً قدره (180,000) ريال للتستر عليهم وتأدية مناسك الحج القادم (عكاظ 28/11/2005م) والسؤال المطروح الآن ماذا عن بقية المناطق؟ وكم مجموع هذه العمالة الهاربة والمتخلفة على مستوى المملكة؟ لماذا لا تعلن الأرقام الدقيقة بشكل دوري لعدد حالات هروب العمالة والمتخلفين في المملكة ولو كان على أقل تقدير؟ ثم هل يمكن معرفة أسباب مشكلة الهروب التي تحولت إلى ظاهرة؟ وإلى أين يهرب هؤلاءالعمال والعاملات والمتخلفون؟ وكيف يختفون؟ ومن يؤويهم؟ وماذا يفعلون هناك؟ وهل يتم تشغيلهم بالخفاء بطرق غير نظامية؟ وكيف؟ هل هناك محفزات ومغريات تشجع الهاربين والهاربات أم أن هناك أسباباً أخرى؟ لماذا تكثر إعلانات المطلوبين للعمل من الجنسيات المختلفة، ومثلها التنازل عن العاملات المنزليات في الصحف المحلية؟ وهل لقرار الحد من استقدام العمالة المنزلية دور في زيادة معدلات الهروب؟ ومع القرار الرائع بمنع مكاتب متسترة فعلاً أو أفراد تساهم في توظيف العمالة لدى الغير؟ وما مصير العقود الرسمية التي توقع بين الطرفين قبل وصول هذه العمالة لمعالجة حالات عدم الوفاق بعد الوصول؟ وإذا لم تثبت صلاحية العامل أو العاملة المنزلية للعمل فلماذا يبلى به مواطن آخر بالتنازل أو الإعارة؟ ما هو دور بعض مكاتب الاستقدام التي كثرت في الشوارع في جلب العمالة غير الماهرة والمناسبة؟ وكيف تتم مراقبتها وتقويمها ومحاسبتها من قبل الجهات المعنية؟ من يحفظ حقوق المواطن الذي يدفع مبالغ طائلة لاستقدام سائق خاص وعاملة منزلية تثبت عدم مناسبتهما بعد انقضاء مدة الأشهر الثلاثة الأولى (مرحلة التجريب)؟ ولماذا لا يفرض المزيد من تشديد العقوبات كي تكون أكثر ردعاً بحق جميع المخالفين من العمالة والكفلاء والمكاتب وغيرهم؟ ولماذا لا تتحرك جميع الجهات المعنية (بما فيه الكفاية) لمواجهة هذه الآفة خاصة أن ظاهرة الهروب والتخلف قديمة وليست بجديدة على مجتمعنا؟ أسئلة كثيرة جداً وحائرة تبحث عن إجابة شافيه وكافية ممن يعنيهم الأمر. إننا ومع الإشادة بالجهود المبذولة والقائمة من جميع الجهات المعنية بالأمر لكننا بأمس الحاجة لتكثيف الجهود ومضاعفتها، وربما دعم تلك القطاعات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بالمتابعة الميدانية مالياً وبشرياً وفنياً - إن كانت بحاجة لمزيد من ذلك - أو ربما لو درست فكرة إحداث إدارة أو وحدة متابعة في كل جهة ذات علاقة تعنى بمكافحة هروب الوافدين وتخلفهم لتقوم بحملات تفتيش مفاجئة مستمرة (غير منقطعة ولا موسمية) وبشكل لا يحتمل التأخير - لكل المخابئ المحتملة - من قبل تلك الوزارات المعنية كل فيما يخصه، مع التأكيد على أهمية تثقيف وتوعية وتعاون جميع المواطنين بلا استثناء مع الأجهزة الحكومية للتصدي بحزم لهذا الداء والآفة المزعجة التي ربما تتحول - لو تأخرنا لا قدر الله في التصدي لها بوقت مبكر - إلى حالة مزمنة (والنار - كما قيل - من مستصغر الشرر). وإذ نعترف بالجهود التي قدمتها أيضاً - ولا تزال تقدمها - العمالة الوافدة - المحترمة للنظام والملتزمة بعقود عملها - في عملية التنمية السعودية الشاملة والعرفان لمساهمتها، لكن مع الارتفاع الحاد جداً في معدلات العمالة الوافدة في المملكة والتي تجاوزت (6) ملايين مقيم وما يصحبها من مشكلات الهروب والتسيب والاختفاء والتخلف مما يعد مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين المعمول بها في المملكة، فإن الآثار السلبية المتوقعة لذلك تنحصر في الجوانب الآتية: 1 - اقتصادية: من خلال مزاحمة المواطنين الباحثين عن العمل وتضييق الفرص المتاحة عليهم ورفع نسبة البطالة بين المواطنين أو إبقائها على معدلاتها الحالية، إضافة إلى التحويلات النقدية الهائلة التي تغادر إلى خارج المملكة بتأشيرة خروج بلا عودة من قبل هؤلاء المقيمين (أكثر من 50 مليار ريال سنوياً حتى احتلت المملكة المركز الثاني بعد الولاياتالمتحدة في معدلات التحويلات النقدية للخارج «الشرق الأوسط 13/10/2005م»). 2 - واجتماعية: من خلال التأثير السالب على هويتنا الثقافية العربية والإسلامية بالاحتكاك المباشر بعشرات الجنسيات والثقافات والديانات المختلفة، مع توقعات بازدياد مشكلاتها على الدول المستضيفة في ظل موجة العولمة ومناداة المنظمات الدولية بما يسمى بتوطين العمالة الأجنبية في مجال التنمية البشرية وفقاً لما أعلنه الدكتور مجيد العلوي وزير العمل البحريني في اجتماع وزراء العمل الخليجيين الأخير بالبحرين، مما سيرفع لدينا بالتالي معدلات البطالة (مضطربة النسبة بدليل اختلاف التقارير عنها) والتي يبدو على الأرجح تزايد معدلاتها بشكل لافت للنظر لعدة أسباب أهمها الانفجار السكاني في المملكة، وضعف مخرجات التعليم وضعف ارتباطه باحتياجات المجتمع وسوق العمل، وضعف فعالية برامج التوطين رغم الفرص الهائلة بالقطاع الخاص حيث لا تتجاوز نسبة السعوديين 11,5٪ وفقاً لبيانات مؤسسة النقد، في حين تؤكد الاحصائيات التي أعلن عنها عادل كعكي رئيس مجلس إدارة غرفة مكةالمكرمة أن 67٪ ممن يتم توظيفهم من السعوديين يتسربون ويتركون العمل بالقطاع الخاص (الوطن 25/11/2005م)، هذا إضافة لحاجتنا في المملكة لتطوير فعالية برامج ترشيد استقدام العمالة الوافدة وبما يلبي الاحتياجات الفعلية للقطاع الخاص. 3 - أما في الجانب الأمني: فإن من السلبيات المتوقعة لبطالة العمالة الوافدة المتوارية عن الأنظار هو ارتكاب عدد من مختلف الجرائم الأمنية الصغيرة والكبيرة والخطيرة مثل الاعتداء والمضاربات والهروب والتخلف في البلاد والرشوة والاحتيال وممارسة البغاء والدعارة في أوكار الرذيلة والمسكرات والمخدرات، وعمليات النصب والتزوير والتزييف وكسر حقوق الملكية الفكرية وانتحال الشخصية، وبيع الممنوعات وتشكيل عصابات السلب والنهب والسرقات وحيازة وبيع الأسلحة وغيرها من الجرائم المختلفة بحثاً عن الثراء السريع، (وقد كشفت لنا حملات المداهمات التي قامت بها أجهزتنا الأمنية الرائعة الكثير من تلك المخالفات والجرائم من تلكم العمالة الوافدة)، مما قد يضر - بالتالي - بسلامة مجتمعنا السعودي وأمنه واستقراره، وبما يضاعف العبء على أجهزتنا الأمنية المتميزة التي تؤدي مهماتها للتصدي للمجرمين وكل من يحاول العبث باستقرار الوطن وأمن المواطنين والمقيمين في أكمل وجه.