عمل المرأة قضية مهمة كثيراً ما يكتب عنها الرجل ربما أكثر من المرأة التي يعنيها الأمر، ومع كل القصور الذي نعاني منه في عالمنا العربي من حيث ندرة البحوث التي تتناول هذه القضية وأن معظم البحوث التي أجريت في هذا الموضوع كانت حول صراع الأدوار عندما تعمل المرأة وما تعانيه من حيث قدرتها على التوفيق بين دورها كأم وزوجة وعاملة. ودراسات أخرى تربط بين المرأة العاملة وبعض المتغيرات الأخرى ولكن ليس هناك دراسات مسحية تعطينا إجابة بالذات على سؤال لماذا تعمل المرأة في عالمنا العربي بصفة عامة أو لدينا هنا بصفة خاصة؟ إننا وللأسف الشديد عندما نناقش موضوع عمل المرأة نتطرق إليه بطريقتنا التقليدية وهي الرجوع إلى الإحصائيات والبحوث الغربية ومشاعر المرأة هناك تجاه العمل وكيف أنها وبعد خروجها للعمل أدركت أن مكانها الطبيعي البيت ولا أعلم من أين أتينا بهذه الفكرة؟ حتى لو استشهدنا بآراء بعض الغربيات من النساء فإن ذلك لا يعطينا حق التعميم وافتراض أن معظم النساء هناك قررن وبعد سنوات من تجربة العمل أن الجلوس في البيت خير لهن. النقطة الأخرى أننا نريد أن نمرر خبرة المرأة الغربية على المرأة عندنا ونقول لها لا تخوضي التجربة فهذه نتيجة المرأة الغربية جاهزة نقدمها لك على طبق من ذهب. وهذا بالطبع مدهش جداً وبعيد عن منطق الأسلوب العلمي في تعميم نتائج بحوث أجريت في مجتمع على مجتمع آخر يختلف عنه في عاداته وتقاليده ثم إن القوانين في الغرب فيها حماية أكثر للمرأة العاملة والمرأة غير العاملة. إن المرأة في الغرب عندما تقرر المكوث في البيت يكون قرارها نابعاً من اختيار وليست العملية قهرية وعندما تقرر عدم العمل فإنها تعرف أن لديها دخلاً مادياً يكفي لفترة انقطاعها عنه أو أن زوجها قادر على تحمل المسؤولية المادية خلال فترة انقطاعها عن العمل ثم يجب علينا دراسة موضوع عمل المرأة بالنظر إليه من العديد من الزوايا أولها: أن لا ننظر لعمل المرأة وكأنه نوع من التكرم الاجتماعي أو تفضل من الزوج تجاه زوجته أو أي شخص آخر سواء كان أخاً أو أباً. أنا أعتقد أن عمل المرأة حق شرعي. لها حرية أن تقرر أن تعمل أو لا تعمل وقبل أن يهاجمني البعض على هذه الفكرة إن كنتم ترون غير ذلك في حق إنسان أن يعول نفسه وأن يكون له كرامة ولا يمد يده أو يذل نفسه للآخرين فالمرأة إنسان ومثلها مثل الرجل في هذا الحق إلا إذا قدمت ضمانات للمرأة أن هناك من سيصرف عليها مدى الحياة، ثم من من الرجال يضمن أن هناك شخصاً آخر سيتولى الصرف عليه العمر كله؟ ولقد تحدثت مع العديد من النساء اللاتي رمى بهن الزوج مع أطفالهن سواء بالطلاق أو الهجر المعلق دون أن يتحمل مسؤولية الصرف على أطفاله وجدتهن يتوسلن لي لمساعدتهن لإيجاد عمل حتى ولو بمعاش بسيط. إن عمل المرأة لم يعد تفضلاً منا كمجتمع نساوم عليه، إنه ضرورة لا بد أن تكون متاحة ولا بد أن لا نقول ونردد المرأة في الغرب مسكينة لا بد أن تعمل، فالمرأة في الشرق وعندنا أكثر ظلماً لأنها أساساً قد لا تجد عملاً. ثانياً: المرأة في الغرب لها حرية الخروج للعمل أو التوقف عنه لتربية أطفالها لسنوات قد تصل إلى 12 سنة ثم تعود لتعمل وتجد عمل بسهولة، عكس ما هو لدينا للأسف الشديد، فالمرأة عندنا مضطرة للحفاظ على عملها فلو تركته لن تجد غيره، وهذا نظام اجتماعي قاس جداً في تعامله مع المرأة التي اؤمن أنه من الضروري أن تتفرغ في البداية لتربية أطفالها حتى يذهبوا على الأقل إلى الروضة بدلاً من رمي الأطفال في احضان الشغالة ولا بد أن نجد الحلول الملائمة لعودتها لعملها بعد ذلك. وبالتالي فإن الغرب وفي أمريكا بالذات أكثر اهتماماً بالأطفال في مراحل نموهم المبكرة لا لأن المرأة جلست في البيت وتركت عملها، بل لأن المجتمع أعطاها الفرصة لتمارس دورها كأم فلديها البدائل أن تعمل من المنزل أو أن تعمل بدوام جزئي وفي النهاية أن تعود لعملها أو لعمل آخر بعد سنوات طويلة. زميلة لي أمريكية جلست في البيت وتركت وظيفة جيدة بعد اتفاق مع زوجها والسبب كما شرحته لي أنها كل صباح ترى الألم والدموع في عيني ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات وهي تأخذها للحضانة، لقد قررت دون خوف أن تكون أماً حتى تكبر ابنتها، نحن هنا إذا وجدت المرأة عملاً تمسكت به العمر كله حتى إن البعض بدأ يتندر بأن كثيراً من الأمهات العاملات يعملن 30 سنة وأكثر ليورثن وظيفتهن لبناتهن، وهذا ما يجعل الوظيفة للمرأة عندنا قيداً مدى الحياة. وللحديث بقية.