ان المتابع للتطور المتسارع لعلاج مرض السكري في الأطفال يدرك اننا على مشارف نقلة علمية عظيمة في مجال التقنية الهندسية العلاجية لهذا المرض. ففي عام 1922 ميلادية صنع الأنسولين وأصبح بالإمكان اعطاؤه بالحقن تحت الجلد الا انه سرعان ما ادرك المختصون ان هذه الوسيلة العلاجية لا يمكن ان تحقق الهدف المنشود وهو الحفاظ على السكر في مستوى مقبول وبالتالي الحد من مضاعفات مرض السكري، لذا لجأ المهتمون في هذا المجال الى صناعة جهاز يضخ الأنسولين على مدار الساعة يكون شبيهاً في طريقة عمل الأنسولين الطبيعي الذي يفرز من البنكرياس السليم وكان ذلك في منتصف السبعينات وكان حجم ما عرف لاحقاً بمضخة الأنسولين كبير لا يسهل التنقل به وإن كانت نتائج عمله باهرة في الحد من ارتفاع وانخفاض السكر. ولكن مضخات الأنسولين الحديثة اصبحت صغيرة الحجم وقد نجح مستشفى الملك فيصل التخصصي في استخدامها على اكثر من ثلاثين طفلاً من مرضى السكري النوع الأول. ووجدت في نفس الفترة الزمنية وذلك في عام 1977م اجهزة تحليل السكر التي تعتمد على الوخز المتكرر للحصول على الدم وبالتالي تحليل السكر. وقد صنعت الآن اجهزة تحليل صغيرة بحجم البيجر تقوم بتحليل السكر بصفة مستمرة وكل 5 دقائق ويمكننا الآن مشاهدة نتائج القراءات بصفة مستمرة وقد تم استخدامها على العديد من اطفال السكري. واستمر الزحف العلمي والتطور التقني قدماً حتى بداية التسعينات عندما قفز العلم وخطا خطوات ملحوظة في هذا المجال وأصبحنا قاب قوسين او ادنى من ما سيعرف بالبنكرياس الصناعي الذي طالما انتظره مرضى السكري من الأطفال والذي سيكون بلا شك بديلا عن زراعة البنكرياس التي تحتاج الى متبرع في بداية الأمر وأدوية مهبطة للمناعة بعد الزراعة ناهيك عن نسبة استمرارية نجاحها والتي قد تتقلص مع مرور الأيام نتيجة لرفض الجسم لها. ان صناعة البنكرياس الصناعي يتم بخطوتين. الخطوة الأولى، هي المضخة التي تزرع داخل الغلاف البروتيني والتي تحفظ الأنسولين لمدة تتراوح بين الشهر والثلاثة اشهر ويتم اعادة تعبئتها بصفة متباعدة ويتم برمجتها بصفة اوتوماتيكية خارجياً. لقد اجريت دراسات كثيرة في هذا المجال على مرضى عدة وأثبتت نجاحها وقدرتها على حفظ معدلات السكر التراكمية وبالتالي مضاعفات السكر المستقبلية ولكن مازال هناك بعض المشاكل التقنية، ومثال ذلك انسداد القناة الناقلة للأنسولين وحدوث الالتهاب وانتهاء عمل البطاريات وغير ذلك الا ان البداية مشجعة والنتائج مبشرة. والخطوة الثانية اللازمة لصناعة البنكرياس الصناعي، هو توفر جهاز يقوم بحساب السكر بصفة مستمرة مقروءة ومشاهدة من قبل المريض والطبيب في نفس اللحظة وقد توفر هذا الجهاز وتم استخدامه لأول مرة في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. يقوم هذا الجهاز بحساب السكر اللحظي ويتخاطب مع مضخة الأنسولين معطياً المريض الخطوات والتوصيات اللازمة لتعديل مستوى السكر ويكون هذا التخاطب لا سلكياً مع مضخة الأنسولين الخارجية. فأصبح الآن لدينا جهازان احدهما قادر على حساب مستوى السكر بصفة مستمرة ولحظية ومشاهدة عياناً ويخاطب جهاز مضخة الأنسولين الخارجية موجهاً لها التعليمات الواجب اتباعها، ويقوم المريض بدوره باتباع هذه التعليمات وتنفيذها. ولكي تكتمل حلقة البنكرياس الصناعي في المستقبل نحن بانتظار مضخة انسولين خارجية اي خارج جسم الإنسان او داخلية مزروعة داخل جسم الإنسان قادرة على استقبال تعليمات جهاز تحليل السكر المستمر وتنقيتها دون الرجوع للمريض وانتظار موافقته على هذه التعليمات آخذين في الحسبان بأن تكون هذه التعليمات والإشادات صحيحة وصائبة. ان التوصل لهذه التقنية وهي تقنية البنكرياس الصناعي ليست بعيدة المنال فالمختصون في هذا المجال يتوقعون حدوثه في بداية عام 2007 ميلادي فتقنية جهاز تحليل السكر المستمر المخاطب لمضخة الأنسولين متوفر الآن عالمياً وتمت تجربته في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومضخة الأنسولين الخارجية والداخلية المزروعة قادرة على تلقي تعليمات جهاز التحليل ولم يبق غير ايجاد وسيلة لتنفيذ هذه التعليمات بصفة اوتوماتيكية، وليس هذه الخطوة بالصعبة مقارنة بما قد تم انجازه. ٭ استشاري الغدد الصماء والسكري