من المظاهر التي يتميز بها مجتمعنا مظهر الوصاية الذي تتعمق جذوره في حياتنا الأسرية والتعليمية والادارية وغيرها، فنجد أن تعامل الأب مع ابنه أو الأم مع ابنتها هو في الغالب يأتي من منطلق الوصاية، حيث تتلخص التوجيهات والتعليمات التي ليس فيها مجال للنقاش في الغالب ضمن مفهوم وصايتنا على الأبناء واعتبارهم عنصراً سلبياً يجب أن يتقبل دون أن يشارك أو يناقش التعليمات، وطريقة التعليم كذلك لاتخرج عن مفهوم الوصاية، فمناهجنا ووسائلنا التعليمية وطرقنا التربوية تنطلق من مبدأ الوصاية على ذلك الطالب الذي نقرر له ونحدد مانراه صالحا له، وينتقل مفهوم الوصاية حتى الى بعض الكتاب والمثقفين الذين يطالبون بمزيد من الوصاية على مايطرحونه، حتى في المواضيع التي تمسهم وتقيد فعلهم الثقافي والفكري... لن نعنى بالجوانب الاجتماعية لكن نتحدث عن انتقال مفهوم الوصاية هذا إلى العمل الإداري بتحويل مفاهيم ادارية معتبرة مثل الاشراف أو التنسيق الى مفاهيم وصاية وإملاء وإدارة تنفيذية لسنا نعلم هل نصفها بعدم الثقة في الآخرين نحو تنفيذ ماهو منوط بهم، أم أنها الرغبة في مزيد من الصلاحيات والتحكم في سير الأمور كما يعتقد البعض، أم تراها طبيعة تربوية واجتماعية اعتدنا عليها..؟ ولفرض الوصايا تلك طرق عديدة، تتمثل تارة في اللجان وتارة في اللوائح والنظم التي تجعل الصلاحيات في قبضة الوصي، وبحجج متعددة منها مايسمى توحيد النظم ومنها مايسمى تقليل الهدر الاقتصادي ومنها مايسمى فرض التكامل والتنسيق، ولكنها في النهاية لا تعدو عن كونها استمراراً لمبدأ الوصاية التي عانينا منها صغاراً ونطبقها على ابنائنا بعد ان صرنا كبارا ... ربما فهم البعض مقصود الوصاية الادارية التي حلت محل التنسيق والاشراف وبدأ يخمن في ذهنه بعض الأمثلة، ولكنني من مبدأ الوصاية أطرح أمثلة... هذه وزارة الخدمة المدنية، فكرة انشائها وربما أهدافها المكتوبة لا تخرج عن إيجاد جهة تتولى التنسيق في مجال التوظيف في القطاع الحكومي وفي تطوير الأداء الوظيفي بالقطاع الحكومي، وهو هدف كما ترون جميل، لكن التطبيق كشف لنا بأن كل ذلك مجرد مصطلحات براقة يمكن اختصارها في كلمة الوصاية، فوزارة الخدمة المدنية أصبحت الوصية على القطاعات الأخرى في إحداث الوظائف، في الترقيات، في الابتعاث، في التدريب، ومن لايعجبه عليه ببند 501، ووصاية وزارة الخدمة المدنية كوصاية أب غير عادل بين أبنائه، فقطاع توفر له الوظائف وقطاع تحاصره في هذا المجال، والابن المدلل تعطيه الاستقلال الاداري في التوظيف والابتعاث والتدريب حينما تعلن عدم تسميته بوزارة ولكن مؤسسة أو هيئة مستقلة..؟ هل تريدون أمثله أخرى؟ انظروا علاقة وزارة التعليم بالجامعات؟ انظروا علاقة الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأندية والاتحادات؟ انظروا علاقة وزارة العمل بمؤسسة التعليم الفني؟ لست أخص الجهات اعلاه دون غيرها وإنما مفهوم الوصاية، الذي أستخدمه هنا، يجعلني أستحضرها حتى لا تذهب مخيلة البعض بعيداً في التفسير والتأويل، ولنساهم في توحيد الرؤية وتنسيق القراءة، درءاً للتجاوزات وتفعيلاً للوائح الكتابة والتعبير! وادعوا معي بأن يتخلى المحرر عن وصايته بالحذف أو الحجب..!