ركل الكرة بعيداً، أبعد من المدى وركض في إثرها.. الهولندي الطائر الذي فاجأ جمود ركلة الجزاء ومررها لزميله، والتف على المدافع السويدي يان أولسن الذي تساءل عن اختفاء الكرة، الآن يفاجئنا ويلتف راحلاً. كان كرويف يقول في صراعه مع المرض: "ألعب مباراة وأتقدم فيها 2-صفر، ومتأكد من قدرتي على الفوز"، لكنه اللقاء الأخير يا "يوهان".. كانت نهاية الموسم المبتور، لم تتعود الهزيمة، لكنها أتت مُرةً في أذهان الذين أحبوك مدرباً ولاعباً ومديراً فنياً ورئيساً شرفياً، كنت كعادتك تذهب لمرمى الخصم، لكن الخصم هذه المرة لم يكن عاديا، وانتهى كل شيء، ليس هناك وقت بديل للضائع في لقاءات مع الموت! كرويف جعل من الكرة لعبةً ممتعةً، كان لا يخشى من دخول خمسة أهداف في مرماه مادام سيحرز ستة في مرمى الخصم، وكان يفضل مشاهدة فيلم أو مسلسل على متابعة فريق يرص صفوفه أمام مرماه، وحين بحث جوفنتوس الإيطالي عن المدافع الهولندي كومان، قال له كرويف: "إذا كنت تريد المال اذهب إليهم، أما إن كنت تريد المتعة فتعال إلى برشلونة"، بعد ذلك بزمن كان كومان يسدد ركلة حرة في نهائي دوري الأبطال أمام الطليان ليحرز الهدف الوحيد، في يوم تمكن برشلونة فيه من اقتلاع اللقب الأول له في مسيرته تحت إشراف كرويف. "هناك كرة واحدة في الملعب، لذا عليك أن تحتفظ بها" هكذا لقّن تلميذه غوارديولا، وهكذا اعتلت التيكي تاكا عرش الكرة عن طريق برشلونة ومنتخب إسبانيا في مناسبات عدة، وتغيرت خارطة كرة القدم التي كانت تتجه إلى الملل بعد توقف قلب منتخب البرازيل في 1982 لترسم الكرات الممررة بعرض وطول الملعب حدودها الجديدة. لكرة القدم أن تحزن، ولها العزاء، لكن العظماء لا يرحلون سوى فينا، لا نراهم بأعيننا لكننا سنبصرهم في ذواتنا، في كل رقم (14) جديدا، في كل صانع ألعاب مهاري يراوغ بعقله ليصل، في كل مدير فني يدفع لاعبيه للتقدم بشجاعة نحو مرمى الخصم، لم يرحل كرويف، فهو باقٍ في كل مباراة ممتعة، في كل شوط ومراوغة وهدف.