تحت رعاية الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة، استضافت أبوظبي، وللمرة الأولى، الملتقى الإقليمي (التراث العالمي في الدول العربية - متابعة للتقارير الدورية وإدارة المعلومات)، وذلك بالتعاون مع مركز التراث العالمي لمنظمة اليونسكو خلال الفترة 4-8 ديسمبر 2005م. وتناول الباحثون في الجلسات العلمية عدة مواضيع أبرزها سبل حماية مناطق الآثار التاريخية والمحميات الطبيعية والحفاظ على خصائصها الإنسانية والفنية، وضرورة تنمية الوعي والتثقيف تجاه القيمة العالمية للتراث والبيئة، والبحث في سبل المحافظة على المدن التاريخية والمواقع الطبيعية وإداراتها، وتحديد السمات الثقافية التي قد تكون لها قيمة عالمية استثنائية. وتسعى دولة الإمارات من جهتها لتسجيل بعض المواقع الأثرية والطبيعية الهامة في اليونسكو وحمايتها كتاريخ وإرث حضاري عالمي، منها منطقة الهيلي حيث تعتبر مواقع العصر البرونزي في هذه المنطقة التاريخية والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد أكبر مجمع أثري موجود في دولة الإمارات العربية المتحدة من ذلك العصر. وقد تم ضم بعض تلك المواقع إلى حديقة الآثار في الهيلي والتي تم تشييدها لإبراز آثار المنطقة وتسهيل زيارتها من قبل العامة. بينما بقي القسم الأكبر من تلك المواقع، إضافة إلى مواقع أخرى من العصر الحديدي التي تعود إلى حوالي 1000 سنة قبل الميلاد خارج الحديقة. وفي داخل الحديثة يوجد أحد أهم المعالم الأثرية لدولة الإمارات يعود تاريخه إلى أكثر من 4000 سنة مضت. ففي النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد (2500-2000 ق. م) كان سكان جنوب شرق الجزيرة العربية يعيشون في بيوت مبنية من اللبن المجفف بالشمس، في حين كان موتاهم يدفنون في مقابر جماعية من الحجر. تسمى المستوطنة المجاورة للمدن الكبير بهيلي 1 وهي عبارة عن برج كان يرتفع عدة أمتار فوق سطح الأرض. وقد تم تنقيب البناية الرئيسة لهذه المستوطنة من قبل فريق من الدنمارك في الستينات من القرن الماضي وتبين بأن لها جداراً دائرياً سميكاً يضم بداخله عدداً من الغرف وبئر للماء تقع في منتصفها. ولم يبق من هذه البناية إلا أسسها وبعض المرافق الصغيرة وجدت مضافة على جدارها الدائري من الخارج. وقد أحيط الموقع بأكمله بخندق ربما كان يملأ بالماء في موسم المطر. وعلى مقربة من بوابة الحديقة توجد بقايا بناية مشابهة أخرى تم تنقيبها من قبل إدارة الآثار والسياحة في بداية التسعينات سميت هيلي 10 وقد احتوت على بئر للماء كذلك. وكما هو الحال في هيلي 1 فقد بنيت هذه البناية باللبن والطين وتم ترميمها مؤخراً باستعمال نفس المواد القديمة. إن الجدار السميك لهذه البناية والذي يبلغ عرضه ثلاثة أمتار يعطي الانطباع بأنها كانت معقلاً تسيطر على طرق التجارة التي تمر في المنطقة. هذا ويذكر بأن بناية ثالثة تقع عند الطرف الجنوبي الغربي للحديقة من الخارج قد تم تنقيبها من قبل البعثة الفرنسية كان لها نفس الدور، بل وربما أكثر من ذلك. الجنوبي الغربي للحديقة من الخارج قد تم تنقيبها من قبل البعثة الفرنسية كان لها نفس الدور، بل وربما أكثر من ذلك. أما المقابر الجماعية التي تعود إلى النصف الثاني من الألف الثالث ق. م والتي تسمى بمقابر أم النار فموجودة في أماكن متعددة من الدولة ولكن أهمها تلك الموجودة في منطقة الهيلي وجزيرة أم النار. وفي داخل الحديقة يوجد اثنان منها إضافة إلى مدفن ثالث مبني تحت الأرض، بينما بقيت معظم المدافن الأخرى خارج الحديقة. ومدفن الهيلي الكبير وهو من أضخم المدافن في دولة الإمارات يبلغ قطره 12 متراً وقد كان في الأصل يرتفع إلى أربعة أمتار أو أكثر. وقد تم تقسيم هذا المدفن إلى أربعة أقسام خصص كل واحد منها لعدد من الموتى. وبالرغم من أن المدفن كان في حالة رديئة عند تنقيبه فإن الدليل المستنبط من مدافن أخرى من نفس العصر في المنطقة يشير إلى أن مئات من الناس قد دفنوا في المدفن الواحد عبر فترة من الزمن. لهذا المدفن مدخلان مزينان ببعض النقوش. ففتحة المدخل الشمالي التي تم قطعها في صخرة واحدة كبيرة الحجم محاطة بنقوش تمثل ثلاثة مواضيع مختلفة هي: منظر لرجل يركب حماراً يمشي خلفه رجل آخر يحمل بيمناه عصا وربما درعاً بيسراه. وفي جهة اليمين يوجد رسم لشخصين متعانقين، بينما زين المدخل من الاسفل بحيوانين متقابلين يفترسان غزالاً. أما المدخل الجنوبي فقد زين بزوجين من المها يقف بينهما شخصان. لقد كان هذان المدخلان يغلقان بالحجارة غير المثبتة حيث يمكن إزالتها بسهولة كي يتمكن القوم من دفن موتاهم كلما دعت الحاجة. ويعتقد أن هذا المدفن قد ظل قيد الاستعمال لفترة تقدر بقرنين أو ثلاثة قبل أكثر من 4000 عام مضت. وعلى مسافة ليست ببعيدة عن مدفن هيلي الكبير يوجد مدفن جماعي آخر بني فوق مستوى سطح الأرض كان هو الآخر قد تعرض للتخريب عبر العصور. لقد تم ترميم هذا المدفن وفق مخططه الأصلي الذي يتكون من ست حجرات تم الحصول عليها بوساطة جدار فاصل يقسم المدفن إلى قسمين يقطعه جداران متوازيان. لقد اختفت معظم الأحجار الأصلية لهذا المدفن واستعملت بدلاً عنها حجارة جديدة تم قطعها وفق أشكالها الحقيقية. وبالنظر لكون المدفن خالياً من المكتشفات الأثرية يعتقد المنقبون بأن بقايا الهياكل العظمية التي كانت مدفونة في هذا المدفن ربما تكون قد نقلت إلى المدفن المجاور الذي بني تحت سطح الأرض حيث تم اكتشاف الكثير من العظام البشرية. هذا ولا يزال التنقيب جارياً في هذا المدفن ونأمل أن يتمكن المتخصصون بتنقيب العظام البشرية من التوصل إلى طبيعة هذا المدفن. ويعتبر المدفن الجماعي الذي يرمز إليه بالحرف N من المدافن غير الاعتيادية وقد تم العثور فيه على عدد كبير من المكتشفات الأثرية كالفخار وأواني الحجر وأدوات الزينة التي تعود في تاريخها إلى نهاية الألف الثالث ق.م وخلال الفترة الأخيرة من عمر هذا المدفن تم دفن الموتى فيه دون أن يمروا بالمدفن الدائري المجاور. وقد تم العثور على بقايا لهياكل بشرية قد يصل عددها إلى 600 لموتى دفنوا على مدى 100-200 عام، حيث دفن الذكور والإناث والأطفال من مختلف الأعمار سوية. وقد توفي معظم البالغين في العشرينات أو الثلاثينات من العمر رغم أن البعض منهم قد عاش أكثر من ذلك. ومن المؤكد أن معظم الموتى قد فقدوا البعض من أسنانهم قبل وفاتهم.