عندما كنت صغيرة...كان أبي حمامة من حمامات الحرم..شيخاً وقوراً صالحاً مهاباً.. أشم في ثيابه رائحة الروضة الشريفة والقباب والمآذن والصلاة وكان إذا دخل البيت توقف الشجار والركض واللعب ......وتغشى الجميع السكينة ولعل أبي آنذاك لم يكن يعلم كم كنت أحبه..... وأحب ثوبه الأبيض ......ورائحة جسمه النظيف...وصوت عكازه حين يصعد السلم القديم وكم أحب صوته الشجي حين يرتل سورة الواقعة وكم أحب أن يبتسم ...لكنه كان قليل الابتسام، وكنت انتظر ضحكه كما انتظر العيد والمطر وأحلم أن يضمني إلية بقوة....فأقبل خده الطري ولحيته وكنت كلما هممت أن أضمه اصطدمت بجدار فارتد حسيرة وفي أيامه الأخيرة......نهشه المرض وتراكمت عليه الأزمنة. نظر إلي ذات مرة ....وابتسم....مدي نحوي كلتا يديه فانطلقت مسرعة نحوه....لم اصطدم بالجدار ضممته وضمني بقوة...قبلت خده الطري ولحيته التصقت بجسمه الهزيل ....غفوت فوق صدره فارتويت وبعد يومين ........مات أبي....رحمة الله عليه المدينة المنورة