كشف مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية الدكتور علي بن شايع النفيسة أن المستوى التعليمي والثقافي للشباب الموقوفين في قضايا فكرية متفاوت فمنهم الجامعي والأكثرية مستواهم التعليمي متدن، ولكن لديهم اهتمام بالعلوم التي يتبنون أفكاراً تجاهها على فهم قاصر للمقصود الحقيقي لمدلولات النصوص والمتون المتعلّقة بهذا الشأن. وقال في حوار ل«الرياض» أن أحدهم والذي لم يبلغ الثامنة من عمره كان أميره يأمره بأن لا يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم إلا للقرآن فقط وهدفه من ذلك هو الحجر الفكري عليه لئلا يستمع من غيرهم خشية التأثير عليه بما يخالف منهجهم. وأشار النفيسة إلى أن جلسات المناصحة والمعالجة الفكرية مع الموقوفين حققت نجاحاً لا يقل عن النجاح الأمني الذي تحقق في الميدان مؤكداً في حواره أن الشريط الإسلامي والمحاضرات الحماسية لها دور كبير في زيادة الحماس والعاطفة الدينية التي إذا لم تضبط بضوابط الشرع فستنقلب إلى عاصفة هوجاء. وفيما يلي تفاصيل الحوار مع الدكتور علي النفيسة: ٭ متى بدأت فكرة المناصحة للشباب الموقوفين لتصحيح أفكارهم؟ - فكرة المناصحة انطلقت منذ عامين بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية وحظيت بدعم وتأييد من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية وصدرت التوجيهات الكريمة لجهات الاختصاص بوزارة الداخلية بتشكيل هذه اللجان الشرعية من أصحاب الفضيلة المشايخ وبمشاركة من العلماء الشرعيين والمستشارين النفسيين والاجتماعيين وحظيت هذه الجهود بدعم وتسهيل من لدن معالي مدير عام المباحث العامة الفريق أول محمود بخش وأوكل أمر الإشراف والتنظيم لأعمال المناصحة إلى الإدارة العامة للعلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية وإدارة الشؤون العامة بالمباحث العامة. ٭ هل شملت فكرة المناصحة للموقوفين مناطق المملكة؟ - في البداية كانت فكرة المناصحة في الرياض وتطور الأمر تباعاً لمناطق المملكة وعمل هذه اللجان شبه يومي يلتقي في كل جلسة مع موقوف واحد لتمكينه من الحديث بحرية تامة دون مؤثرات سلبية في حالة تعدد الموقوفين في جلسة واحدة. ٭ هل استجاب الموقوفون لهذه اللجان في البداية وإلى أي مدى وجدتم تجاوبهم؟ - في البداية كان هناك تخوف من الموقوفين ولم يستجيبوا إلا أننا تجاوزنا ذلك التخوف وكسرنا الحاجز الذي بيننا وبينهم لأننا وضعنا أغلب الاحتمالات لمثل هذه الجلسات. لأن بعض الموقوفين في بداية الجلسات للمناصحة كان متخوفاً ظناً منهم أن لها ارتباطاً بالتحقيق أو أنها ستعود عليهم بجوانب سلبية في سير قضاياهم إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا أنها تصب في صالحهم وبدأوا بالتنافس والتسابق لحضور الجلسات والبعض منهم ألح على تكرار جلسات المناصحة لما لمسوه من شفافية وصدق في الطرح الشرعي العلمي المجرد الهادف للوصول إلى الحق فيما علّق بأذهانهم من أفكار مغلوطة جاءت نتيجة للتغرير والتحريض والحجر الفكري الذي كانوا يتعرضون له من المحرضين، وكذلك الفهم الخاطئ لبعض النصوص وحملها على ظاهرها دون الرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم ببيان المدلولات الصحيحة لهذه النصوص حسب المقتضيات والمؤثرات المعتبرة شرعاً. ٭ من من تتكون لجنة المناصحة؟ - لجنة المناصحة تتكون من عدة مشايخ وبالتحديد من ثلاث لجان رئيسة: اللجنة العلمية واللجنة الأمنية التي تعنى بالجوانب الأمنية المتعلقة بالموقوفين واللجنة النفسية الاجتماعية التي تعنى بالجوانب النفسية والاجتماعية للموقوفين وهذه اللجان الثلاث تعمل في مختلف مناطق المملكة. ٭ بحكم قربكم من هؤلاء الشباب كيف وجدتم توجهاتهم وأفكارهم؟ وما هي أخطرها؟ - الشيء الغريب أن أغلب أفكارهم خيالية أما أفكارهم التي انبثق عنها سلوكهم العدائي فهي ناتجة عن الفهم الخاطئ للنصوص أو الاستجابة للتفسيرات الخاطئة للنصوص والأخذ بالفتاوى المضللة التي يمليها عليهم من أعلنوا أنفسهم مفتين ومشايخ للتنظيم وأخطر هذه الأفكار ما انبثق عن التكفير لأنه يلزم منها الخروج على ولي الأمر واستباحة الدماء المعصومة. علماً أن الأفكار التي بنوا عليها تكفير الحُكام والعلماء هي شبهات باطلة تدور حول الفهم الخاطئ للولاء والبراء ومظاهرة المشركين وكذلك دعوى إخراج المشركين من جزيرة العرب والفهم الخاطئ للجهاد بعدم اعتبار الضوابط الشرعية والرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم لتقرير هذه المسائل الاجتهادية والأخذ بالفتاوى الاجتهادية لهيئة كبار العلماء التي روعي فيها جانب المصالح والمفاسد التي يدرك حقيقتها العلماء بما لديهم من علم وحكمة ودراية بخفايا أمور يجهلها هؤلاء الشباب ومفتوهم من المتعجلين والمتحمسين. ٭ كيف وصلت هذه الأفكار المغلوطة إلى عقول هؤلاء الشباب وهل تم تعديل هذه الأفكار وتصحيحها؟ - هذه الأفكار المغلوطة وصلت إلى أذهان هؤلاء الشباب بعدة طرق منها الفتاوى التحريضية لمشايخ هذا التنظيم العدواني وكذلك عن طريق الكتابات المغرضة من قبل المحرضين عبر الإنترنت بأسماء مستعارة تبتر النصوص وتدلس في النقل والقول على العلماء والاتيان بالأكاذيب من الوقائع المكذوبة لدعم مقصودها الخبيث وكذلك بعض المؤلفات الكيدية لهذه البلاد وحكامها وشعبها لما أنعم الله به عليها من نعم في شتى المجالات وقد تم تصحيح هذه الأفكار المغلوطة لدى الشباب الذين تمت مناصحتهم بل إن بعض الشباب ذرف الدمع ندماً على اعتناق هذه الأفكار واصفاً نفسه بأنه كان في شبه سكرة أو سفاهة قد غيبت عنه الحقيقة الناصعة التي يدين للمشايخ المناصحين في بيانها له. ٭ متى تبدأ المناصحة وهل هي على شكل محاضرات أم دورات علمية أو دروس وما هي أعمار الشباب المغرر بهم؟ - المناصحة تبدأ غالباً بعد صلاة المغرب وتمتد إلى وقت متأخر من الليل حسب الحال وهي ليست محاضرات أو دروس وانما حوار مفتوح تتخلله المداعبة والأريحية ويتسم الحوار بالشفافية والصراحة المطلقة، وذلك داخل السجون وهناك دورات علمية متخصصة في فصول دراسية عملت لهذا الغرض تدور مناهجها حول الشبهات التي يعاني منها الشباب كالتكفير والولاء والبراء وضوابط الجهاد والبيعة والطاعة لولي الأمر والموالاة وإخراج المشركين من جزيرة العرب. أما أعمار الشباب المغرر بهم فتتراوح بين 20 - 30 عاماً. ٭ المناهج الدراسية والشريط الإسلامي والمحاضرات الحماسية هل لها دور في الفهم الخاطئ والأفكار المغلوطة لهؤلاء الشباب؟ - المناهج الدراسية تحتوي على المادة العلمية الشرعية مدار البحث والتفسير فإن وجدت من يخالط قلبه شبهة أو شهوة استطاع أن يوظفها لمقصوده السيء وإن وجدت الباحث عن الحق فإنه سيجد من النصوص والمتون ما يصقل الناشئة على الخير والسلام ولا أجد ما يدعو إلى التخوف من تطوير المناهج لتكون أكثر تواصلاً مع المتغيرات التي يعيشها العالم اليوم وبما يبشر ولا ينفر ويتماشى مع مقاصد الشريعة السمحة. أما الشريط الإسلامي والمحاضرات الحماسية فلا شك أن لها دوراً في زيادة الحماس والعاطفة الدينية التي إذا لم تضبط بضوابط الشرع فإنها ستنقلب إلى عاصفة هوجاء ويعود هذا إلى الجو الذي يكتنف سماع تلك الأشرطة أو مشاهدتها إذا كانت مرئية وما تحتويه من مادة قد يعمد البعض إلى إضافة بعض المؤثرات فيها بحيث تؤجج المشاعر العاطفية خصوصاً لدى الشباب من صغار السن مع استهدافهم بالشحن العدائي تجاه أهداف محددة مما يجعل منهم أدوات للدمار وهذا الكلام لا أقوله تجنياً إنما من واقع قصص ذكرها لي بعض الشباب من أسباب اندفاعهم وتورطهم. ٭ هل لك أن تذكر لنا بعض القصص مع هؤلاء الشباب لعل فيها العظة والعبرة للآخرين؟ - القصص كثيرة ولعل أبرزها ما ذكره لي أحدهم من أنه نقل بسيارة والده الجمس المخصص للعائلة خمس من الشنط المليئة بالقنابل وأوقفها في المنزل قبل أن يذهب بها إلى زملائه الذين اكتشفوا بعد انزالها عن فقدان قنبلة فلما فتشوا في السيارة بعد أن عاد بها إلى المنزل فوجدها تحت إحدى المراتب، ولكم أن تتصوروا ما قد ينتج لمثل هذا العمل من مخاطر لو انفجرت؟!! أما القصة الثانية ذكرها لي أحدهم والذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بأن أميره على ما يعتقد كان يأمره بأن لا يستمع إلى إذاعة القرآن وإن كان لا بد فللقرآن الكريم فقط بشرط اٴن يقفله حال انتهاء القراءة. والهدف من ذلك هو الحجر الفكري عليه لئلا يستمع من غيرهم خشية التأثير عليه بما يخالف منهجهم. أما القصة الثالثة فقد ذكرها لي أحدهم داخل السجن وهو ممن له ارتباط وثيق بقادة التنظيم، حيث اختلف معهم بعد حادثة الوشم حينما طلب منه قائد التنظيم عبدالعزيز المقرن بتجديد البيعة واعتبر أن هذه الحادثة ماز الله بها الخبيث من الطيب وماز الله فيها المؤمنين ويقصد بذلك أن من أيد الاعتداء الآثم فهو من المؤمنين ومن الطيبين ومن عارضها فهو على عكسهم، فسألته سؤالاً أعتقد أنه يهم الكثير من الناس معرفة اجابته خصوصاً واني أظنه أحد المعنيين بالأمر مباشرة حيث قلت له: ما السبب في استهداف مبنى الأمن العام وقوة الطوارئ في الوشم وهم يعلمون أن جميع الموجودين فيه من المسلمين؟ فقال لي إنهم يرونهم مرتدين ويجب البدء بهم من منطلق {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار..}. ٭ هل هناك وقت محدد للمناصحة داخل السجون لهؤلاء الشباب؟ لا، ليس هناك وقت محدد وما دامت المشكلة الفكرية قائمة وموجودة فإن الجلسات ستستمر حتى تزول هذه الأفكار والشبهات من عقول أولئك المغرر بهم والحمد لله ما زلنا نجد تجاوباً كبيراً من هؤلاء الموقوفين والكثير منهم تاب وعاد إلى الله وهذا هو هدفنا الحقيقي الذي نريد الوصول إليه.