أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن محمد آل طالب أن الرباط عادة يكون في الثغور، إلا أن لأهل الداخل رباطا آخر لا يقل أهمية، خصوصاً إذا كانت البلاد قد دخلت في غمار الحروب، فحراسة وحدة الصف واجتماع الكلمة وهو ثغر يحرص العدو على النفاذ منه إذا اعجزته ثغور الأطراف. وأضاف في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام أنه لا قيمة لكل جهد على الحدود إذا تم النيل من ثغر الداخل، فهو الثغر الذي يستهدفه المنافقون عادة، وقد يستجرون إليه المغفلين والجهال، مضيفاً أن العقل والمنطق يقضي بتأجيل أية خلافات داخلية أو خصومات، ولو كانت خلافات مستحقة ما دامت البلاد في حرب، فكيف إذا كانت خصومات مفتعلة وخلافات ساذجة تشغل بها المجتمعات. وأشار آل طالب إلى أن هذه الخواصر يجهلها المغفلون أو المدفوعون بلا مبالاة ولا تقدير للعواقب، ولا إحساس بالحالة الراهنة بالدولة، فينسى الناس حربهم الخارجية لينشغلوا بحراب مجتمعي داخلي، معتبراً أن تلك القضايا التي تطرح، إن كانت إثارتها بحق فليس هذا وقته، وإن كان بباطل فإنما هي غارة داخلية الرمي والمرمى، فلقد تجاوز النبي -صلى الله عليه وسلم- الإنشغال ببني النضير في غزوة الخندق وكشفهم ظهور المسلمين حتى تفرقت أحزابا وانهزم غزاة الخارج، ثم حاسبهم بعد ذلك، فكيف تشغل المجتمع وترجف به في مسائل أقل وهي قابلة للتأجيل. وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن التعجل بالأمور وتوظيفها للأهواء والشهوات من مؤشرات الفشل وذهاب الريح، كما أن على كل صاحب منبر أو قلم أو وسيلة إعلامية خاصة أو عامة أن يدرك الظروف المعاشة والنوازل المحيطة بأمتنا، فإن كثيرين لم يجاروا الأحداث ولم يستشعروا الواقع، ففقدت الجدية في الطرح وغاب الترفع عن هزيل البرامج ودعايات الغرائز، مشدداً على أن بلادنا مغبوطة بتماسك جبهتها الداخلية ووارث أمنها، فهي مستهدفة من أعداء يكيدون لها ويتربصون بها الدوائر، والدولة بكل ما تحمله وتتحمله من مسؤوليات جسام، تدير عمليات مصيرية وتواجه صراعات متعددة، وبلادنا وقادتها يستبقون الخيرات ويرابطون على ثغر الأمة كلها، وواجبنا تهيئة الاجواء الملائمة ليبلغوا بالبلاد والعباد شاطئ السلامة. وأضاف الشيخ آل طالب: المملكة دولة شرفها الله بخدمة المقدسات، ومؤسسها -رحمه الله- أراد لها أن تقوم على المحجة البيضاء، فأسلم لها الرأي العالمي الإسلامي، ومنحها التقدير والثقة، فهي ناهضة لتحقيق مسؤوليتها العالمية، وقدرها قدرها الذي شرفها الله به، فعلى كل قائد وكاتب أن يسعى لتوجية فيوض القول لجمع الكلمة وتوحيد الصف والجهد لتحقيق الهدف، فالزمن بأوجاعه لا يتحمل التصعيد والمناكفات، فلابد من حقن الأحبار وكف الألسن حتى يأذن الله بانفراج الازمات المحدقة بالأمة وانكشاف الغمة، فالأمة تمر بأوضاع تستدعي التوقف حتى عن بعض المباح فكيف بالأثم.