كنت في اجواء ممطرة وفي مدينة جدة للإشراف المباشر على امتحانات طلبة الماجستير بقسم المعلوماتية الصحية بكلية الصحة العامة والمعلوماتية الصحية التابعة لجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية. وفي مساء يوم الثلاثاء أعلنت مصلحة الأرصاد العامة عن كثافة هائلة في المطر الذي سوف ينهمر على محافظة جدة وماجاورها، وبالتالي ترى المصلحة تعليق الدراسة على الرغم من أنها فترة امتحانات، وكان من المتوقع أن يبدأ نزول المطر في منتصف اليوم. وتبع هذا الرأي المديرية العامة للدفاع المدني التي حذرت بأخذ الحيطة والحذر واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة. فما كان من وزارة التربية إلا أن علقت الدراسة، وطُلب من جميع المدارس والجامعات في محافظة جدة وما جاورها تأجيل امتحان ذاك اليوم إلى يوم آخر. وتعليق الدراسة، من وجهة نظري، بيّن بجلاء انعدامية التخطيط السليم التي تعاطت معها ثلاث جهات حكومية وهي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والمديرية العامة للدفاع المدني، ووزارة التربية . فالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ما برحت تعمل بنفس البدائية التي كانت تعمل عليها منذ أن كنا نتسمر أمام شاشات التلفزيون لكي نستمع إلى مذيعي النشرة، ولا أرى فارقاً ملحوظاً بين النشرات الجوية الحالية والنشرات القديمة عدا بعض الصور الثلاثية الأبعاد لشكل الغيوم والأمطار ودرجات الحرارة، وأجزم أن نسبة ليست بالقليلة من مواطني هذا البلد قد سنحت لهم الفرصة بأن يسافروا لبلاد أخرى مثل أميركا او أوروبا او استراليا. كما أجزم أن هؤلاء، وغيرهم، قد اطلعوا على التقنية العالية والمعلومة الدقيقة التي توفرها إدارات الأرصاد في تلك البلدان. اما المديرية العامة للدفاع المدني، فقد حذرت ونبهت المواطنين من عدم الاقتراب من منابع السيول والوديان واتخاذ التدابير اللازمة عند حدوث التقلبات الجوية، وليتها اكتفت بذلك بل طالبت بتعليق الدراسة خوفاً من حدوث ما لا يحمد عقباه. وهم بذلك الطلب ارادوا أن يوصلوا رسالة مؤداها: لقد حذرنا ولم تستمعوا لتحذيرنا، في إشارة إلى تحميل الخطر، في حالة حدوثه لا قدر الله، على جهات أخرى. واستغربت لإفادة مديرية الدفاع المدني بانهم سوف يتواجدون عند جميع الأنفاق ومواقع تجمع السيول، وقلت: وكيف تسمح المديرية بإنشاء أنفاق من دون إنشاء تصريف للسيول؟ الم نتعلم من الدرس الذي مرَ بنا قبل اربع سنوات عندما امتلأت الأنفاق بالأمطار؟ أما وزارة التربية فكان الأجدى بها أن تتريث قليلاً حتى ساعات الصباح الباكر لكي تتأكد من صحة تحذيرات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إن كانت صحيحة او خاطئة. فكمية المطر الذي نزل وإنخفاض درجات الحرارة لا يستدعيان تعليق الدراسة. كما أن هناك قصور واضح من جهة الوزارة من ناحية استخدام التقنية بحث جميع من ينتمي إلى المنظومة التعليمية من مدرسين ومدرسات وطلاب وطالبات على استخدام الإنترنت، والرجوع لموقع الوزارة عند اي عمل طارئ مثل ذلك. وأحمد الله أن طلابي في جدة لم يصغوا إلى تحذيرات مصلحة الأرصاد والدفاع المدني لأن كمية المطر الذي نزل في ذلك اليوم لا يستدعي تعليق الدراسة على الإطلاق. وفي الختام إن تعليق الدراسة ليوم واحد بسبب هطول الأمطار يدل دلالة واضحة، وللأسف الشديد، على ضعف بنيتنا التحتية. ويدل على عجزنا عن استخدام أقصى ما وصلت إليه التقنية الحديثة في دراسة الأحوال الجوية، من تسخير الأقمار الصناعية لخدمتنا، وجلب أحدث أجهزة التنبوء الجوي، وزيادة وعي المواطن بما يجدّ حوله من متغيرات وذلك بزيادة النشرات الجوية على مدار الساعة. ونسأل الله أن يديم على هذه البلاد الأمن والأمان وأن يجنبنا الكوارث ما ظهر منها وما بطن.