وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    فليك: برشلونة يتطور.. وفالفيردي: لامال لاعب استثنائي    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    النقش على الحجر    من أنا ؟ سؤال مجرد    ولي العهد عنوان المجد    إطلاق الوضيحي والغزال والنعام في محمية الإمام تركي بن عبدالله    النصر في منعطف الأخدود.. الفتح يخشى الوحدة.. الرياض يصطدم بالخليج    ولي العهد وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية الروسية    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    "حرفة" يعرّف بدور محافظات منطقة حائل في دعم وتمكين الحرفيين    هوبال    الاحتلال يواصل الإبادة الجماعية في غزة لليوم ال460    ما ينفع لا ما يُعجب    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    نائب أمير تبوك يطلع على أداء الخدمات الصحية    11,9 مليار ريال إجمالي تمويل العقود المدعومة للإسكان في 2024    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    مفاوضات إيرانية صينية لتخليص صفقة بيع نفط بقيمة 1.7 مليار دولار    تدشين المرحلة الثانية من «مسارات شوران» بالمدينة    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    انطلاق المهرجان الأول للأسماك في عسير    الاتحاد والهلال    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    بناء جيل رياضي للمستقبل !    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    "القادسية" يحقّق بطولة "طواف الأندية السعودية" 2025    «ترمب شايل سيفه»    دور سوريا المأمول!    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    المنتخب الجيد!    وزير الخارجية ومفوض"الأونروا" يبحثان التعاون    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    إنتاج السمن البري    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    «الجوازات»: إمكانية تجديد هوية مقيم وتمديد تأشيرة الخروج والعودة للمقيمين خارج السعودية    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    نائب أمير منطقة تبوك يزور مهرجان شتاء تبوك    نائب وزير الداخلية يستقبل السفير المصري لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشردون يغرقون في بحر الآلام والبحث مستمر عن قطرة أمل!!
«الرياض» تقتفي خطى (5) ملايين نازح عذبتهم ويلات الحرب..
نشر في الرياض يوم 01 - 12 - 2005

حصدت الحرب الأهلية السودانية.. الأخضر واليابس.. وكوت بنيرانها كل السودان.. إلا أنها كانت أشد وقعاً وأكثر إيلاماً على أبناء الجنوب.. فعلى مدى (21 عاماً) أسفرت عن وجود أكثر من خمسة ملايين نازح ولاجئ جنوبي.. يعيشون ظروفاً غير مؤاتية.. فافترشوا الأرض والتحفوا السماء.. واكتنفهم في الشتات البؤس والشقاء.. فهم في حالة رعب لا مثيل لها.. فلا مستقبل ولا طموح ولا أحلام يراودهم سوى العيش الكريم.
اتفاقية السلام جاءت لتعطي هؤلاء المشردين حق العودة إلى أوطانهم.. بعد معاناة وعذاب جسدي ونفسي واجتماعي أفرزته ويلات الحرب.. ولكن إحلال السلام يبدو أنه لم ينه الحزن والألم لهؤلاء المنفيين في الأرض.
فتحقيق العودة مشروع بلا أفق ولا فضاء.. فكيف تنجز والجنوب السوداني مدمر ومقطع إرباً.. إرباً..
«الرياض» في حلقتها الخامسة دخلت معسكرات النازحين في الخرطوم لتقف عند آخر الترتيبات التي اتخذها هؤلاء المنفيون قبل العودة..
يشهد السودان بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية أكبر عملية عودة نازحين في العالم، ويتوقع المجتمع الدولي انطلاق نحو «4 ملايين» إلى موطنهم في الجنوب.
هؤلاء يبدأون رحلة الإياب بعد أن عاشوا وضعاً مأساوياً في الشتات، قطعوا في الذهاب رحلة طولها قرابة ألف كيلومتر ليصلوا إلى معسكرات النازحين في شمال السودان، وهم في حالة مزرية خاصة ان جلهم من النساء والأطفال والرجال المسنين.
لقد قاسى هؤلاء النازحون ظروفاً صعبة، فتقطعت بهم السبل، وتشتت بهم الشمل وغالبيتهم يعيشون حالة غذائية وصحية سيئة للغاية، ففي بعض التقارير نجد ان معدل الوفيات بينهم كبيرة تصل إلى عشرة في كل ألف خلال الفترات الطارئة.
وبالرغم من أن النازحين تعرضوا لمخاطر جسيمة وويلات من العذاب الجسدي والاجتماعي والنفسي والاذلال والاهانة إلا انهم متلهفون للعودة ولكنهم في نفس الوقت متخوفون مما ينتظرونه في الجنوب، وبالطبع يأمل أي إنسان جنوبي أن يكون هناك على الأقل الحد الأدنى من الخدمات الأساسية والبنيات التحتية ولكنه يشكك في هذا الأمر، وعليه يرى بأن التواجد في معسكرات النزوح واللجوء أرحم.
ويتخوف البعض ممن سينظمون رحلة العودة من وعورة وطبيعة الطرق التي تفتقد للأمن وتخرج عن سيطرة الأجهزة الأمنية، وينتظر النازحون عند ذهابهم إلى الجنوب مشكلة الألغام التي ملأت الأرض هناك، ليخرج جيلاً كاملاً معوقاً بعد حدوث قصص مأساوية ومبكية. وقليل من أبناء الجنوب يربطون عودتهم بالتوصل إلى سلام وذلك بسبب إيمانهم التام بأن الاتفاقية ستظل هشة ما دام هناك من يرفع السلاح.
والنازحون الجنوبيون يعيشون في مأساة إنسانية فلا عيشة كريمة ولا مستقبل لهم ولا طموحات ولا أحلام.. ويكتنف حياتهم البؤس والشقاء والعذاب والجوع والمرض والعيش بلا هدف وتزداد هذه المأساة حدة عندما تكون الطفولة معذبة ومشردة.
الأمان تحقق والمأساة مستمرة
صحيح ان اتفاق السلام أوجد مناخاً أمنياً نسبياً في جنوب السودان إلا ان المعالجة ما زالت تهدده، وبحسب المفوضية العليا لشؤون النازحين وبرنامج الغذاء العالمي ان معدلات سوء التغذية مرتفعة بسبب وعورة الطرق وصعوبة المواصلات وانعدام الأمن ومياه الشرب النظيفة.
ووفقاً لتقديرات الأروقة الأممية والتي تخيف النازح بل الجميع، تشير إلى ان حوالي «300» ألف طفل في الجنوب يعانون من نقص وسوء في التغذية.
ويزداد الرعب عند الوقوف أمام احصائية تقول ان خمس سكان الجنوب الذي يقدر تعدادهم ب «7» ملايين يعانون من نقص في الغذاء ويواجهون خطر المجاعة الطاحنة.
ومن المؤسف للغاية ان معدلات سوء التغذية في ارتفاع مستمر حتى بعد اتفاق السلام، فقد كانت في عام «2004» بنسبة «19٪» وتعد الأسوأ في العالم، ومن ثم قفزت إلى «20,7٪» خلال العام الجاري وهذا النوع من سوء التغذية يصنفه الخبراء بالقاتل إذا لم تتخذ تدابير وبشكل سريع لعلاجه.
ويقول دينس ماك نامارا ل «الرياض» ان جماعات جيش الرب الأوغندي تسيطر على كثير من الطرق الرئيسة المؤدية إلى معسكرات النازحين، مما يشكل صعوبة في امكانية وصول الغذاء للأسر النازحة».
وتحذر جهات معنية بالمساعدات الإنسانية من وجود كارثة إنسانية محتملة في حال عاد ملايين النازحين إلى الجنوب قبل إنشاء الخدمات الأساسية، فمع استمرار العودة عند مستويات مرتفعة بدون تحضير جيد لاستقبال العائدين ستنفجر كارثة إنسانية حقيقية.
ويرى مستشار الطوارئ الخاصة للأمم المتحدة السيد ماكنامارا ان «العودة في الوقت الراهن غير مرغوب فيها لعدم توفر منشآت وأماكن جيدة للنازحين»، ويزيد قائلاً: «إذا أصر النازحون في ذهابهم للجنوب فإننا كمن ينقل الأحياء الفقيرة في الخرطوم إلى جوبا».
ويقدر بعض المسؤولين السودانيين عدد من عادوا من النازحين الجنوبيين ب «600» ألف شخص منذ توقيع اتفاق السلام، إلا ان النازحين أنفسهم ومنظمات مستقلة
تقول ان الرقم لا يعني شيئاً، فالكثير من الذين عادوا، فقط بدافع الحنين، ثم ما لبثوا ان رجعوا مجدداً الى خيام لجوئهم في شمال السودان بسبب عدم توفر الحد الأدنى من الخدمات في الجنوب.
معسكر مانديلا
«الرياض» ذهبت الى معسكر «مانديلا» لتلتقي بأكبر عدد من النازحين الجنوبيين في مدينة الخرطوم، وعلى طول الطريق الترابي المتعرج تستقبلك نظرات ملأى بالحيرة والاستفهام، الاطفال يصفرون مع مرور شخص غريب، ينادون من يعرفونه داخل المركبة المتهالكة التي يدوي محركها فيطغى على صوت الحياة ويحيل الحديث المتبادل داخلها الى صياح وصراخ.
يخاطبك السائق بلغة جافة ووجه متجهم ان تدفع ثمن الرحلة قبل ان تتحرك العربة و«لا مليم ينقص» وإلا ستجد نفسك ذاهباً راجلاً.
الركاب كالبنيان المرصوص والجو لا يخلو من طرفة هنا او هناك وحرارة نقاش بين المتحدثين، الناس يقبلون ببشاشة للحديث يفرغون ما بداخلهم آمالهم، طموحاتهم، آلامهم، مشاكلهم وتفاصيل حياتهم المتوارثة.
الرجال يفترشون الارض والنساء يتوارين خلف ثيابهن، اكتسبن شكلاً آخر من أشكال الحياة، ففي موطنهن الاصلي بالجنوب السوداني كن يعملن في تربية الماشية او الزراعة، مستوطنات الغابات الاستوائية وهي حياة لم تكن فيها للنقود قيمة تذكر، فقد كانت الثروة تقاس بما يملك من ماشية وبقدر ما تمتلئ به المستودعات من قمح.
وأنت هناك في المعسكر تلحظ وجود منازل متشابهة شأنها شأن المناطق العشوائية والفضاء لا يخلو من هوائي ارسال وأطباق فضائية مستوردة نقلت حياة العالم الخارجي الوردية فكانت وبالاً على الاهل والاسر، كما يقول دينق انقوك الذي رأى ان مشاهدة تلك الحياة الجميلة مقارنة بالبؤس هنا أغرى الصغار من الأولاد والبنات بالفرار والهروب بعيداً، بحثاً عن الهناء في الجانب الآخر.
موسيقى الجاز والبوب الامريكي والمغنيون الزائيرون تلهب الاماكن وتحيلها الى مسرح غنائي كبير، وحمى المحمول هذا ما يمكن ان تلحظه في أيدي شباب من الجنسين تبدو عليهم النعمة يتحدثون بلهجات مختلفة فاتضح أنهم زوار.
(15) ألف نسمة استوطنوا هذا المكان الذي كان خلاء فارغاً من نبض كل حياة في اوائل التسعينات ونسبة لذلك اطلق عليه أولاً الأهالي اسم الصحراء في (1991) وتوسع قليلاً ثم سمي ب«مايو مزارع»، لانه يمتد بالقرب من مزارع على أطراف مايو.
وجاءت الحكومة وأسمته «مايو السلام»، حتى قبل ان تبدأ في مباحثات السلام، ونسبة لما حققه المناضل الافريقي نلسون مانديلا لأهله وبني جنسه اتفق الأهالي على اطلاق اسم مانديلا عليه تكريماً وتمجيداً له.
الخدمات تساوي صفراً في هذا المعسكر، وقالت أبوك شيركير سيدة جنوبية ان الحكومة عندما خاطبناها مطالبين بالخدمات رفضت بحجة ان هذه المنطقة غير مخططة، وبالتالي لن يكون الأمر سالكاً لمدها بأي خدمة وعليه قامت هذه المنطقة بالجهد الشعبي والمركز الصحي الوحيد شيدته منظمة اسمها «الهيئة العالمية لتنمية الجنوب» والخدمات فيه مجانية.
جون كلمنت البير جاء الى هنا في (1994) إبان الحرب من منطقة بانتيو للبحث عن وضع أفضل، ولكنه يحس بانه غير قادر على عمل أي شيء، اشتغل في صغر سنه غسالاً في بعض المنازل ثم كبر وكبرت المسؤولية ويردف البير قائلاً ان الحياة في الخرطوم صعبة والجنوب أصعب، إن الجنوبيين يدفعون ثمن الحرب باهظاً.
المواطن فرانسيس التيم شول والذي يعمل في مجال البناء يقول إنه فر من موطنه ذات ليلة ممطرة، وقد نجا بأعجوبة من وابل الرصاص ونيران الدبابات عندما جرت معارك شرسة بين الحكومة والحركة الشعبية بالقرب من مدينته توريت إحدى المدن الكبرى في الجنوب.
ويضيف فرانسيس أنه وجد نفسه مشرداً في مدن الشمال متنقلاً بين مدينة وأخرى، يعاني من الجوع والمرض والفقر، وظل يمارس الأعمال الثقيلة ما بين الزراعة والرعي إلى ان استقر به الحال ليكون عامل بناء. ويعاني فرانسيس من شظف العيش لأن فرص العمل لا تتوافر بشكل منتظم فهو يعمل لأيام وأسابيع - إن لم تكن شهوراً - عاطلاً.
فرانسيس من مؤيدي اتفاقية السلام لما لذلك من فائدة له وأسرته ويتطلع باحساس عرم ان يعيش حياة وديعة بعد العودة إلى موطنه ليتمكن من تربية الأبقار.
ونحن نجول المعسكر وجدنا ايقاع الحياة هادئاً ومتناغماً وفقاً للنشاط السائد والمألوف هناك فسألت جوزيف دينق عن العادات والتقاليد والجريمة فضحك وقال أما عن الجريمة فالمنطقة عشوائية وليس كما يتخيل الجميع هي ليست منبعاً وتفريخاً للمجرمين ولكن مأوى لبعض منهم خاصة وان القانون قد يصعب فرضه هنا، فالجميع خارج عنه بمن في ذلك الشماليون!!
الإدارة الأهلية في المعسكر تسمى «إدارة السلاطين» وهي التي تسيطر على النظام الاجتماعي هناك، وهي قوة مطاعة لا يخالفها أحد، يشتكي الشباب في هذا المعسكر من عدم الزواج بسبب الوضع الاقتصادي الصعب.
ويقول ماركور بور ماجوك ان هذا أحدث ربكة في العلاقات لأن الغرائز الأساسية في الإنسان إذا لم تنضبط بالطرق الشرعية تتحول إلى انحلال.
وعن إمكانية محافظة المرأة على نفسها في ظل وجود مناخ يسوده الفوضى داخل المعسكر يشير إلى وجود عقوبات اجتماعية تحفظ للمرآة المنتهك عرضها حقوقها بمعنى ان كل من تسول له نفسه العبث بفتاة تلزمه محكمة السلطان بدفع دية مقدارها ثلاث بقرات وثور تقدم لمن يريد الزواج من الفتاة مستقبلاً للضرر، فتحفظ هنا كرامة المرأة.
إدارة المعسكر
السيد المدير التنفيذي حمد محمد عبدالله يوضح ان معسكر مانديلا يدار وفقاً لإدارة المعسكرات التي تتطلب تقديم الخدمات الصحية وتوفير مياه صالحة للشرب لأن المعسكرات هي أماكن مؤقتة وليست مناطق سكنية دائمة ومخططة لها، لذا لا تتمتع بالخدمات الدائمة ولكن إذا استمر المعسكر لأكثر من عام وأكثر نقوم بإضافة خدمات التعليم ليستفيد سكان المعسكر من خدمات المناطق السكنية المخططة القريبة من المعسكر وبالتالي هناك منطقة مايو وهي متوافرة فيها كافة الخدمات والمعسكر ليس بعيداً عنها ولا يخفى ان المنظمات الطوعية لها دور في تقديم الخدمات في المعسكرات وأسهمت في تجهيز معسكر مانديلا فتم إنشاء (102) مضخة مياه للشرب في المنطقة بالإضافة لبناء مراحيض صحية لمكافحة خطر التلوث الناجم عن الفضلات وفتح مصاريف لتصريف مياه الأمطار وعليه من ناحية تنظيمية تم تكوين لجان شعبية تشرف على إدارة المضخات وأيضاً يمكن الاستفادة من السلاطين كنظام أهلي معتبر وسط المعسكر.
وتم إنشاء أسواق داخل المعسكر أسواق مؤقتة «سوق مانديلا» وسوق «الفين» يتم الإشراف الإداري عليها بواسطة الوحدة الإدارية بجانب صحة البيئة وخدمات مكافحة الملاريا، وهناك قسم للشرطة لضبط الأسن، وبمناسبة الحديث عن الشرطة ذكر المدير التنفيذي ان معظم المخالفات الأمنية هي الخمر ومشاكل السكر.
موسم الهجرة يبدأ
ويتوزع النازحون من الجنوب، بسبب الحرب التي دامت لأكثر من (30) عاماً في أحياء هامشية بالخرطوم أشهرها دار السلام، وشيكان وسندس وود البشير وصالحين ومدن الفتح (3,2,1) وكرتون كسلا ونيفاشا والبركة، إضافة إلى معسكر مانديلا .
هؤلاء النازحون بدأوا موسم الهجرة إلى الجنوب منذ توقيع اتفاقية السلام، ولكن رحلة العودة إلى الديار هذه تبدو أشبه برحلة العودة إلى المجهول.
بالرغم من ذلك اصطف الجنوبيون في طابور طويل، براً وبحراً وجواً، يلتمسون طرق العودة والحزن لم يفارق محياهم، ففي ساحة الميناء النهري بمدينة «كوستي» بانتظار بواخر الجنوب ترى الناس مكتظة في صفوف أملاً في العودة وهناك أيضاً عشرات الباصات من الخرطوم متجهة جنوباً، تحمل الرجال والنساء والأطفال الجميع يتطلع بفارغ الصبر ان تحط الرحال إلى مسقط الرأس والحنين والشوق سيد الموقف.
وفي الصباح الباكر ذهبت «الرياض» إلى السوق الشعبي محطة الانطلاق نحو مدن الجنوب لتلتقي بعدد من الجنوبيين ومن داخل الباص المتجه إلى واو، كبر مدن الجنوب قال دنيس ماجاك، «انني أتطلع للذهاب إلى مدينتي واو التي غادرتها بسبب الحرب الأهلية قرابة (18) عاماً وأنا متلهف لرؤية الأحباب والأصحاب».
وفي تلك الأثناء صعدت على متن حافلة أخرى سيدة اسمها نورا ساوا مع (22) من المشردين من أهالي جنوب السودان، ساوا تقول في هذا الخصوص «عدت للتو من رمبيك فلم أجد فيها أي شيء» وأردفت بالكلام قائلة ان الوضع هناك صعب لذلك اتخذت من تجارة الملابس
مهنة لي، أجلب بضائع علني اربح منها ثمناً قليلاً.
وساوا تبيع الملابس على قارعة الطريق إلى أن تصل الى معقل اهلها في رمبيك، تلك البلدة الصغيرة التي اتخذ منها المتمردون رمزاً للمقاومة في الحرب الاهلية التي وضعت الاوزار لتوها.
وليست ساوا إلا واحدة من الآف العائدين الى الجنوب- ويقدر البعض ان يبلغ عددهم مليون شخص في غضون العام الجاري وحده- ممن يقفون في أمس الحاجة إلى الاراضي او موارد الرزق، والمياه النقية، والرعاية الصحية، والمدارس للابناء.
تقول ساوا، وهي أرملة لديها تسع أطفال لم يزل أربعة منهم في الخرطوم «حين وصلنا أول مرة إلى رمبيك، وطَّنتنا السلطات في بقعة على بعد ستة كيلو مترات من رمبيك مع (150) أسرة» وأضافت «شرعنا نجمع حطب الوقود ونصقله للبيع لنتمكن من البقاء على قيد الحياة (....) واتخذنا من الأوراق البرية الخضراء غذاء لنا».
وأشارت إلى «أن ذلك لم يكن كافياً لحاجتنا الشديدة في الحصول على غذاء فامتهنت بيع الملابس لسد العوز والجوع»، ساوا ظلت منذ توقيع اتفاقية السلام وحتى الآن بعد السماح بعودة النازحين تقطع طريق (الخرطوم- رمبيك) مرة كل شهر لاقتناء ملابس جديدة تبيعها في الجنوب.
ووفقاً لمسؤولين في الخرطوم أن ال (600) ألف نازح وصلوا إلى (10) ولايات جنوبية منهم نحو (50٪) إلى ولايتي «الوحدة» و «أعالي النيل» وهما ولايتان متاخمتان للشمال، غير أن الحكومة والحركة الشعبية لاتدرجان هذه العودة في برنامج العودة الطوعية الذي ظلتا تخططان له بالتنسيق مع الامم المتحدة منذ ابريل الماضي.
وحتى الآن لم يستطع كل من الحكومة والحركة تحديد كل احتياجات العودة، ويتفق الطرفان على ان الوضع في الجنوب غير مهيأ لعودة النازحين، حيث لاتوجد الضروريات، مثل السكن والماء الصالح للشرب والمرافق الصحية والتعليمية.
ويرى اللواء السر العمدة مدير المركز القومي للنزوح والعودة الطوعية «ان كلاً من الحكومة والحركة الشعبية لاتشجعان العودة التلقائية للنازحين قبل توفر الخدمات الاساسية في مناطق العودة حتى لاتنشأ مشكلات اخرى أمنية وصحية افطع من مشاكل النزوح نفسها».
لاجئون في دول الجوار
وفي الجانب الآخر، توجد مأساة لاتقل خطورتها عن مأساة النازحين، انها تمس وضع اللاجئين السودانيين في دول الجوار، فهم يعيشون في حالة رعب دائمة، حيث مشاكل النزاعات والحرب الأهلية التي تعاني منها تلك الدول، فيقع اللاجىء من وقت لآخر فريسة للمشاكل السياسية والاقتصادية السائدة ببعض البلدان المستضيفة .
ويترتب على ذلك مهاجمته من قبل الفصائل المتنافرة إما بسبب شح الموارد او سوء الظن، لأن البعض يشعر بأن اللاجئين ليس من حقهم التواجد على أرضهم.
والسودانيون اللاجئون هم في تلكم الديار غرباء، ومع ذلك يهددهم ايضاً ان تقوم الدول الحاضنة لهم برفع الحماية عنهم بعد توقيع اتفاقية السلام، مما سيزيد لمأساتهم التي يعيشونها أسوء من ويلات الحرب.
وتمثلت مأساتهم في فقد الكثير من الأرواح، إضافة لحالات الاغتصاب والزواج القسري وتمييز وخطف واستغلال للاطفال.
والجدير بالذكر ان المصيبة الكبرى، هو ان معظم تلك الدول التي لجأ اليها السودانيون الفارون من جحيم الحرب، لاتحكمها قوانيين خاصة باللاجئين واحترام اوضاعهم.
ويوجد حوالي (560) الفاً في بلدان اللجوء المجاورة، ولايرغب معظم من في المعسكرات العودة لاسباب كثيرة، أخطرها المجاعة وسوء التغذية وان آلاف الاطفال في جنوب السودان يواجهون مأساة المجاعة، وان لم يتخذ المجتمع الدولي خطوة حاسمة في توفير المال اللازم لمواجهة الكارثة.
خصوصاً وان معدل الانجاب عالية لدى الجنوبيين والاطفال يتركهم الاباء لمآرب عدة واهمها البحث عن الرزق، فيكونون عرضة للجوع والامراض ومن ينجو منهم بحياته لا حظَّ له في الرعاية والتعليم والمعرفة، فقد أشارت احصائية ل «اليونيسيف» صادرة في (2004) بأن حوالي (2500) طفل فقط في السنة يمكنهم الحصول على غذاء سليم، مما يعد من أقل المعدلات في العالم.
فهناك الكثير من التقارير التي تقرع الاجراس لهول المصيبة القادمة، والأمر يتطلب تحركاً سريعاً بالتنسيق مع كل المنظمات ووكالات الأمم المتحدة لإيجاد أفق يرتقي بمستوى الكارثة الماثلة للمشردين.
وبالرغم من ان المجتمع الدولي وعد بشأن ترتيبات مابعد السلام، فرصد في مؤتمر اوسلو الدولي لإعمار السودان في مارس الماضي نحو أربعة مليارات ونصف المليار دولار لتنمية الجنوب، وعودة النازحين واللاجئين إلى آخر قائمة مطلوبات مابعد السلام، ولكن حتى الآن لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً.
المنفيون الجنوبيون لمت بهم اخطار محدقة وأعاصير شديدة، وعاشوا ظروفاً حياتية بائسة، فهم يدفعون الثمن باهظاً جراء الحرب.
المصاعب لم تثن من عزم المشردين فقصدوا الاوطان والاهل والعشيرة، وتدغدغت خلجاتهم والجميع يأمل ان تكون اتفاقية السلام شمعة أخيرة تضيء نفقهم المظلم.
فالنازحون غرقوا في بحر من الآلام، ومازالوا يبحثون عن قطرة من الأمل يتطلعون لبناء مستقبل مشرق لإبنائهم بعد ان كوت جلودهم نار الحرب المجنونة، وبدافع الحنين والشوق أصروا على العودة الى جنوب السودان المدمر والمقطع إرباً.. إرباً دونما تجهيز لاستقبال أكثر من (5) ملايين مشرد.. وفي هذه الظروف يظل السؤال الأبرز طارحاً نفسه.. هل يحقق السلام للمشردين ما يصبون إليه؟؟ بعد ان خلف الحرب جنوباً يعد من افقر الاراضي الافريقية على الاطلاق.. ربما!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.